فن المنمنمات

فن المنمنمات

رسوم (المنمنمات) هي رسوم صغيرة الحجم كانت تزين الكتب أو ترسم منفصلة كصور شخصية (بورتريه) صغيرة الحجم أيضا.

تتميز رسوم المنمنمات بصفات أساسية أولها أنها رسوم (ذات بعدين) أو مسطّحة لا تحاول إيهام المشاهد (بالتجسيم), على عكس الأسلوب الغربي ذي الأبعاد الثلاثة, حيث يكون الإيهام بالتجسيم باستخدام الظلال المتدرجة والتظليل حتى تبدو الأشكال والأشخاص (مستديرة) أو (مجسمة) كما تظهر للمشاهد في الطبيعة.

ثاني هذه الصفات هو عدم محاولة إيهام المشاهد (بالعمق) باستخدام قواعد علم (المنظور) حيث تصغُر الأشياء كلما ابتعدت عن عين المشاهد, وتكبر كلما اقتربت.

هاتان الصفتان (التجسيم والعُمق) لا توجدان في الفن الإسلامي عمومًا وبالأخص في رسوم المنمنمات.. حيث يستعيض الفنان عن التجسيم (أو التظليل) باستخدام الألوان المسطحة الزاهية بلا تدرُّج.. ويستعيض عن العمق أو المنظور, بوضع الأشكال والأشخاص وكل العناصر متجاورة أو مرصوصة فوق بعضها البعض دون تداخل بينها وبأحجام متساوية. وقد ابتكر الفنان في العالم الإسلامي منظورًا خاصًا به, لا يحاكي ما نراه في الطبيعة, وفي لوحات الفن الغربي, ولكن يسجِّل (ما نعرفه) بدلا عن (ما نراه).. فيمكن - على سبيل المثال - رسم المنزل من الخارج ومن الداخل في الوقت نفسه.. ويعتبر كثير من النقاد وأساتذة الفن (المنصفين) هذه الطريقة أو الأسلوب أرقى وأعلى فنيًا وفكريًا, وأقرب إلى الفن الحديث الذي ظهر بعد مئات السنين في أوربا.

... ظهرت في تاريخ الفن الإسلامي مدارس مختلفة, عربية وغير عربية, ظهرت أهم المدارس العربية في العراق وسورية ومصر (خاصة في العصر المملوكي).. وفي أقطار العالم الإسلامي الأخرى, خاصة في فارس (إيران) والهند.

كان أول كتاب عربي مصور (بالمنمنمات) كتابٌ في علم الفلك عنوانه (كتاب صور الكواكب الثابتة) من وَضْع عبدالرحمن الصوفي المولود عام 986 ميلادي, وهو ترجمة لكتاب يوناني قديم وشهير هو (كتاب الماجسطي), تأليف العالم اليوناني القديم (بطليموس), وقد قام بوضع رسوم الكتاب العربي ابن المترجم عبدالرحمن الصوفي.

من أشهر الكتب التي تميزت برسومها (منمنماتها) الجميلة والتي شاعت واشتهرت في كل أنحاء العالم كتاب (كليلة ودمنة) لمؤلفه الحكيم الهندي (بيدبا) وقام بترجمته (ابن المُقفع), وهو كتاب في الحكمة أبطاله ثعلبان (كليلة ودمنة) ومجموعة من حيوانات الغابة, ويدور حول الصراع والمواجهة بين الذكاء والحيلة من ناحية والقوة والبطش من ناحية أخرى.

الكتاب الشهير الثاني هو (مقامات الحريري) وقد قام بعمل رسومه أشهر فناني المنمنمات العرب (أبو يحيى الواسطي), ورسوم هذا الكتاب - علاوة على جمالها وقيمتها الفنية - تعتبر مرجعًا تاريخيًا مهمًا نعرف منه الكثير عن حياة وملابس وعمارة العالم العربي - الإسلامي في العراق أثناء القرن الثالث عشر الميلادي.

نقدم لك هنا, أيها القارئ العزيز, نماذج مختارة من فنون رسم (المنمنمات) من مختلف الأقطار الإسلامية ومعها رسوم تخطيطية لنفس المنمنمات للتلوين..

نرجو أن تقضي معها أوقاتا ممتعة ومفيدة في أيام وليالي شهر رمضان الكريم.

 

 


 

حلمي التوني

 










من كتاب مقامات الحريري ـ الحارث ورفاقه قبل الرحيل ـ للفنان الواسطي ( بغداد 1237 م )