توتة تائهة

توتة تائهة

رسوم: سعد حاجو

يحبُّ ماهر مساعدة والدتِه في تحضيرِ الحلوياتِ, عندما صارَ عمره 11 سنة, صار يصنعُ الحلويات بمفرده.

في البدايةِ, كانَ أصدقاؤه يسخرونَ منه, لأنهم يعتبرونَ الطبخَ عمل النساءِ, ولكن عندما شاهدوا في التلفازِ الطباخينَ الرجال الماهرين, وبعدما تذوّقوا حلويات ْ ماهر اللذيذة أعجبوا كثيرًا بمهارته في تحضيرِ الحلوى.

اليوم قصد ماهر السوق لشراء الطحين والسكر والبيضِ والزبدةِ والحليبِ والتوت الطازج, كي يصنع (كعكة توت). ولكنه وجد طفلة صغيرة تبكي أمام دكان الفاكهة.

سألها: (ما بك أيتها الصغيرة?).

لم تقل الطفلة كلمة واحدة, بل استمرت بالبكاء: (واع ع ع....واع ع ع...).

سألها مجددًا: (أخبريني ما بك كي أساعدك).

(واع ع ع...).

قال ماهر: (لابدّ أنك أضعت أهلك, فلا يمكن لطفلة صغيرة مثلك أن تخرج إلى الشارع وحدها. ولابد أن أهلك قريبون منّا, قد يكونون في واحد من أمكنة ثلاثة, إما في مدينة الملاهي, أو حديقة الحيوانات, أو دكان الحلويات).

توقفت الطفلة فجأة عن البكاء, ففهم ماهر أنها موافقة على كلامه. أمسكها بيدها وانطلق بها للبحث عن أهلها. راح يسألها ويحدّثها ولكنها لم تتكلم, فظنّ أنها قد تكون خرساء, وأشفق كثيرًا عليها. طلبَ منها أن تشيرَ إلى أهلها عندما تراهم.

في حديقة الحيوانات بدت الصغيرة سعيدة. راحت تلاعب العصافير وتطعم البطات وتضحك على القردة, ولكنها لم تجد أهلها.

فانتقل ماهر بها إلى مدينة الملاهي.

هناك صاحت الصغيرة فرحا, ظن ماهر أنها وجدت أهلها, ولكنها راحت تشير إلى القطار الوردي, ففهم ماهر أنها تريد أن تركب فيه. فاشترى لها بطاقات للعب بالقطار ثم بالسيارات ثم الأراجيح ثم بركة الطابات.

بعدما تعبت الصغيرة من اللعب, أخذها ماهر إلى دكان الحلويات. فجأة عادت إلى البكاء, وراحت تشير إلى طفل صغير يأكل الآيس كريم. ففهم ماهر أنها تريد الآيس كريم مثله.

اشترى لها واشترى لنفسه عصير التفاح, فقد كان عطشان جدًا. وبينما هو يدفع للبائع ثمن الآيس كريم والعصير انتبه إلى أنه لم يعد لديه مال يكفي لشراء أغراض كعكة التوت!

قال بحزن: (ماذا سأفعل الآن? لم أعثر على أهل الطفلة التائهة ولم أعد قادرًا على صنع كعكة التوت!).

هنا تكلّمت الصغيرة: (لا تحزن! أمّي تقوم الآن بتحضير كعكة التوت).

دهشَ ماهر لكلامِ الصغيرة وصاح: (لماذا لم تتكلمي منذ وجدتك? اعتقدتك خرساء!!).

قالت الصغيرة: (عندما سمعتك تقول إنك ستأخذني إلى مدينة الملاهي وحديقة الحيوانات, ودكان الحلويات سكت, وقرّرت أن أتكلّم بعدما تنتهي النزهة).

صاح ماهر مجدّدًا: (نزهة!! ولكنني لم أكن أنزّهك!).

قالت الصغيرة: (أنا آسفة ولكن أنا اعتبرت الأمر نزهة. اليوم طلبت من أمي أن تأخذني إلى مدينة الملاهي, ولكنها رفضت لأنها مشغولة بتصليح مسابقات تلاميذها فهي معلّمة. بعدما بكيت, وأزعجتها وعدتني أن تصنع لي (كعكة التوت) التي أحبّها. وبما أن بيتنا قرب دكان الفاكهة, فقد خرجت لأشتري التوت لأمي برفقة أخي الكبير كريم. ولكنه تركني أمام متجر الفاكهة وذهب ليشتري لعبة إلكترونية. عندما تأخر صرت أبكي, ثم حضرت أنت وحصل ما حصل).

سأل ماهر: بما أنك لست خرساء أخبريني ما هو اسمك?).

قالت مبتسمة: (اسمي (توتة)!).

عندما سمع ماهر الاسم انفجر ضاحكًا.

أعاد ماهر توتة إلى منزلها, وشرح لأمها سبب تأخّرها. وعدت الأم بمعاقبة ابنها كريم, كما دعت ماهر لتناول الكعكة التي حضرتها.

قالت توتة: (ولكن كيف سنأكل الكعكة من دون توت?).

ابتسم ماهر وقال ممازحًا: (بسيطة! بما أنك توتة نضعك فوق الكعكة فيصبح لدينا (كعكة توت) لذيذة?!).

بينما الجميع يضحكون للنكتة, قرع الباب, فتحت الأم فوجدت كريم وبيده لعبة إلكترونية وفاكهة التوت. قالت: (أهلاً بعودتك! هات التوت لنزيّن الكعكة, وهات اللعبة كي أعيدها إلى متجر الألعاب, فأنت محروم من اللعب ومن الحلوى أيضًا وأنت تعرف السبب).

 


 

بسمة الخطيب