قدوتي العلمية

قدوتي العلمية

رسوم : ممدوح طلعت

الهندسة.. أرنب يقفز الحساب.. سلحفاة تمشي
( إنها الأرض نفسها.. لم تعد تتسعُ للمزيد من البشر )
هذا الإنذار أطلقه عالم إنجليزي شهير منذ أكثر من مائتي عام في زمنٍ كان العالم أقل عددًا, والازدحام لم يعرف طريقه بعد إلى المدن الكُبرى ,لكنه التنبؤ بما يمكن أن يحدث من حولنا..
اسمه: توماس مالتوس.
ولد (توماس).. في مدينة لندن عام 1766م, في أسرة ثرية, عُرفت بتدينها الشديد وإيمانها بالتعاليم السماوية.
لذا, فإن الصغير لم يعرف المعاناة نفسها التي عرفها أبناء نفس المدينة من الفقراء, الذين حُرمُوا من التعليم, أو الذين كانوا يذهبون إلى المدارس في الأحياء الشعبية.
لم يذهب (توماس) إلى المدرسة يومًا بل جاء المدرسون إليه يساعدونه في تلقي العلوم, وكان من بين هؤلاء عُلماء مشهورون, وفلاسفة كبار, جاءوا للتدريس له, مجاملة لأبيه عاشق العلم والفلسفة.لكن توماس اضطر أن يتعلم التربية الدينية, خارج البيت, وعندما شب جسمه قرر الخروج إلى الحياة, والتحق بجامعة (كمبردج).
وأتاح له نظام التعليم هناك أن يتخصص في علوم متعددة, مختلفة...
وكان حديث الناس عندما تفوق في علم الرياضيات, وفي فن الشعر, وأتقن العديد من اللغات... وصار الأول بين زملائه.
ورغم تبحر الشاب الصغير في جميع ألوان المعرفة السائدة في عصره, فإنه كان شابًا عصريًا, يرتدي الملابس الأنيقة التي يرتديها الشباب, ويرتاد بيوت العبادة بانتظام, ويسير على هدي مستقيم, وهو المتعمق في علوم الدين.
لكن (توماس مالتوس) لم يتبحر في دراسة أحد العلوم قدر ما غاص في علم الاقتصاد القائم أساسًا على علوم الرياضيات.
وذات يوم, استرعى انتباه (توماس) أن الفقراء في المدينة يكثرون من الإنجاب, وطرأ على باله خاطر حدّث به أحد أقرانه.
- سوف أسافر إلى الريف... لدراسة هذه الظاهرة.
وفي الريف وجد أن الظاهرة تزداد كثافة, فالفلاح يميل إلى كثرة الإنجاب, كي يقوم الأبناء بالعمل في زراعة الأرض.
في تلك الفترة, كانت فرص العمل متاحة في المدن الكبرى أكثر من القرى, فهاجر الأبناء إلى المدن للعمل هناك, وسكنوا الأحياء الفقيرة, وراحوا ينجبون الكثير من الأبناء أسوة بآبائهم.
وراح (توماس) يتخيل ماذا يمكن أن يحدث في المستقبل, لو ظل الناس على هذا المعدل من الإنجاب.
واكتشف أن الناس تزداد عبر السنوات على طريقة المتوالية الهندسية.
فالرقم 2 لو ضرب في 2 يكون الناتج أربعة.
والرقم 4 لو ضرب في 2 يكون الناتج ثمانية.
وهكذا إلى 16, 32, 64.
أي أن عدد السكان سوف يتضاعف بنفس المعدل خلال سنوات قادمة.
واكتشف (مالتوس) أن الأرض التي يعيش عليها هؤلاء الناس هي نفسها, لا تزداد ولا تتسع, أي أن الازدحام على الأرض نفسها, قد يشكل خطرًا على البشرية مع مرور الزمن.
ولم يتوقف (مالتوس) أمام هذه الاكتشافات المهمة.
فقد عرف أن العلم يساعد في تطوير الحياة, ويوفر الزراعة الأفضل, والمباني الأحدث ولكن ذلك يتم عن طريق ما يسمى بالمتوالية العددية:
1+1= 2
2+1= 3
3+1= 4
أي أن المسافة تتسع بين زيادة السكان, والتطور الذي يقوم به العلم لتطوير الحياة في المدن والريف.
ووضع (مالتوس) نظريته في السيطرة على هذا الخطر القادم لا محالة, من أجل أن يجنِّب العالم مشاكل زيادة السكان.
طالب بتحديد النسل تبعا لضوابط كل دولة... وطالب بتشجيع العمل على الإنتاج حتى لا يكون هناك مواطنون عالة على آخرين.
وطالب بالرعاية الصحية.
وواجه (مالتوس) الكثير من الانتقادات, لكن رسالته وصلت إلى الناس في كل أنحاء العالم.
وفي القرن العشرين, بدت نظرية (مالتوس) في أخطر صورها... فالناس يزدادون في بقع عديدة من العالم على رأسها (الصين) و(الهند).. وصدرت قوانين صارمة بتنظيم النسل لكن الحل كان أفضل لدى البلاد التي شجعت أبناءها على الإنتاج المكثف في كل أنحاء الدنيا.
وما زال العالم يترقب ما كتبه (مالتوس) وتنبأ به... حتى اليوم.. والغد.
 

 
 
 
 
 
 

محمود قاسم