بيتنا الأرض

بيتنا الأرض

أصغر متحف للخزف في العالم

فاجأتني عشرات القطع الخزفية مدهشة الأشكال يمتلئ بها هذا المكان الصغير, بل الصغير جدا, بعضها يشبه محارات الحلزونات, وبعضها يشبه المزهريات والزجاجات, ومنها ما يشبه سفنًا فضائية ذات شوكات, ويغلب عليها اللون الأبيض اللؤلؤي, وكان ذلك كله في نقطة ماء, نقطة ماء من بركة بحرية, فكأنني أرى متحفا كاملا لفن الخزف في نقطة ماء.

كان ذلك عندما ذهبت لزيارة صديق عالِم في وحدة الميكروسكوب الالكتروني بمركز الأبحاث الحيوية, ووجدته منشغلا بدراسة الكائنات الدقيقة وحيدة الخلية في مياه البرك والمستنقعات, وضع نقطة ماء من عينة مجلوبة من إحدى البرك البحرية تحت عدسة الميكروسكوب الذي تبلغ قوة تكبيره أكثرمن ألفي ضعف, وطلب مني أن أنظر, فرأيت المتحف العجيب, وقلت له إن ذلك يشبه متحفا لفن الخزف, فأكد لي أن ما أراه هو خزف بالفعل, ولما رأى ملامح الدهشة واضحة على وجهي, أخذ يشرح لي سر مارأيته...

هذا نوع من الكائنات وحيدة الخلية التي تسمى (الأوليات), وهو نوع خاص يعيش في مياه البحر منذ ملايين السنين, وحتى تحمي نفسها, تقوم هذه الأوليات بإفراز أصداف حول نفسها من مادة السيليكا التي تكون الزجاج ومن الكلس, فتكتسب صدفاتها الدقيقة هذا اللون الأبيض اللؤلؤي, وبعضها شفاف تماما لأنه يتكون من السيليكا وحدها. وحتى تستطيع هذه الكائنات مواصلة الحياة وهي داخل أصدافها, تمد من جسمها الدقيق المكون من خلية واحدة خيوطا حساسة تعبر ثقوب الصدفات, وتمسك بجزيئات الغذاء السابحة من حولها ثم تعود منسحبة, فتدخل هذه الجزيئات المغذية جسم الكائن وحيد الخلية, فيستمر في الحياة دون أن يغادر صدفته, ودون أن يتعرض للخطر!

عبرت عن دهشتي لهذا المتحف الفني العجيب من الخزف الجميل في نقطة الماء, وزاد من عجبي أن أكتشف الحياة تنبض داخل قطعه الفنية البيضاء والشفافة.

 


 

محمد المخزنجي