الاحمر بحر الاساطير والعجائب

الاحمر بحر الاساطير والعجائب

يبدو الزبرجد مثل جبال طافية، كأن هناك طوفاناً قديماً قد نزعها من جبال سيناء وألقى بها إلى البحر، يحيط بالجزر مثلما يحيط البياض الموجود داخل البيضة بالمح الأصفر، وخلال هذه المياه العميقة تعيش مجموعة من أغنى الأحياء المائية في العالم، وقد أضحى خليج العقبة واحداً من أشهر المناطق في العالم التي يقصدها كل هواة الحياة البحرية سواء كانوا غواصّين أو علماء، في رأس محمد وهو الجزء الذي يمثل آخر جزء من شبه جزيرة سيناء يمكنك أن ترى السلاحف البحرية وهي تأخذ غفوة من الراحة فوق الرمال قبل أن تنزلق إلى مياه البحر مرة أخرى، هذا هو البحر الأحمر بحر العجائب والأساطير.

أخذ البحر اسمه من شعب المرجان التي تنتشر على شواطئه والتي تعتبر هي الأغنى من نوعها في كل بحار العالم, ويقال إن هناك نوعا من الطحالب يفرز مادة بنية اللون عندما تشتد الحرارة, ولكن جمال الشعب المرجانية ليس خالصاً فهو يحمل الخطر أيضاً ويمكن أن يتحول إلى فخ مميت.

فخ الموت

ويعرف الغوّاصون هذه المنطقة الخطرة باسم منطقة شعب أبو نواس فعلى عمق مسافة 110 أقدام, يوجد الجسد الضخم للسفينة الملكية (الكارنتيك) التي تحطم جسدها المعدني إثر اصدامها بهذه الشعب الخطرة, وقد وقع هذا الحادث الشهير في عام 1869 بعد حفر قناة السويس بقليل, عندما سارت سفينة الكارنتيك من ميناء السويس وهي تحمل على ظهرها 230 مسافراً, ولكنها سرعان ما انجرفت وعلقت وسط شعب المرجان, وقد وافق الركاب جميعاً على البقاء فوق سطح السفينة حتى تصل النجدة إليهم, وفي صباح اليوم الثاني انقسمت السفينة إلى نصفين وغرق 27 من الركاب, ولازال هذا الحطام موجوداً حتى الآن, تطوف حوله مجموعة من أندر الأسماك في العالم.

ولكن ماذا يشبه البحر الأحمر? إنه أشبه بذراع طويلة يمده المحيط الهندي ليفصل بين قارتين هما آسيا وإفريقيا, ويبدو أنه منذ ملايين السنين كانت هذه الأرض كتلة واحدة ثم حدث هذا الشق وتدفق الماء وابتعدت المملكة العربية بالتدريج عن قارة إفريقيا, ونتج عن هذا ما يشبه الذراع الطويلة التي تبدأ بفتحة ضيقة هي باب المندب ثم يتسع البحر على مدى مساره, ليصبح عرضه أحياناً حوالي 350 كيلومتراً, وفي النهاية يتفرّع إلى ذراعين رفيعتين إحداهما تسمى خليج السويس والأخرى تسمى خليج العقبة, وبين هذين الخليجين توجد شبه جزيرة سيناء التي يمكن اعتبارها جزيرة كاملة الآن بعد أن تم حفر قناة السويس.

الجمال الصعب

وكما ترون فإن هذا البحر فريد في جغرافيته, كما هو فريد في المخلوقات التي توجد في أعماقه, وهو أشبه بالأخدود العظيم, على حوافه ترتفع الصخور العالية, ولكن هذه الصخور تتراجع أحياناً لتترك شريطاً ساحلياً ضيقاً من الرمال الناعمة, هذا الشريط يعرفه كل هواة الغطس في العالم لأنهم من خلاله يستطيعون النزول إلى قاع البحر ومشاهدة عجائبه.

ورغم هذا الجمال فهو بحر صعب, ولم تكن السفينة (الكارنتيك) أولى ضحاياه ولا آخرها, فهذه الحواجز المرجانية لا يعرف مكانها غير الخبراء بفنون الملاحة, وهذه الحواجز إضافة إلى التيارات غير المنتظمة والرياح القوية تجعل من الملاحة فيه أحياناً غاية في الخطورة, وإذا أضفنا إلى ذلك درجة الحرارة المرتفعة في أشهر الصيف, التي تصل إلى أكثر من 30 درجة تجعل منه أكثر البحار ملوحة لأن كمية البخر فيه عالية جداً.

وقد عاش البحر الأحمر في مخيلة المصريين القدماء طويلاً, وأصبح جزءاً من الأساطير التي يرددونها, فالجزر الصخرية الموجودة فيه هي جزر النار, ومنها يأتي (ونيس) ثور السماء الذي لا يرحم, وهو الذي يعاقب الموتى الذين تمتلئ أمعاؤهم بالسحر, وقول الشاعر المصري القديم:

من هذا البحر الساخن حيث ترتعد النجوم
يأتي ونيس من جزر النار
يأكل الرجال ويعيش على الآلهة.

البحّار الغريق

وأشهر القصص المصرية هي بطبيعة الحال قصة البحار الغريق, وهي تحكي مغامرات أحد البحارة الذين ركبوا سفينة ضخمة عليها مائة وعشرون من أمهر البحارة في مصر, وتصفهم الأسطورة قائلة: كانت قلوبهم أشجع من الأسود وكانوا يتنبأون بالعاصفة قبل حدوثها, ورغم ذلك فقد ثارت عليهم كل أنواع العواصف حتى أغرقت السفينة ولم ينج منها إلا بطل قصتنا, هذا البحار الوحيد.

ظل البحار يصارع الموج حتى وجد جزيرة صخرية, ولكنه فوجئ بأن هناك ثعبانا ضخم هو ملك هذه الجزيرة, خاف البحار منه أول الأمر, ولكن عندما قال له من القصائد الشعرية التي يمدحه فيها رضي الثعبان عنه وأخبره أن هناك سفينة ضخمة سوف تصل إلى الشاطئ, بل وأعطاه العديد من الهدايا منها المر والكحل وجلود الحيوانات النادرة وأنياب الأفيال, وقد خاض البحار مغامرات عدة على هذه الجزيرة قبل أن تصل السفينة وتحمله إلى بلده حيث قابل فرعون مصر وقدم له الهدايا التي أخذها من الثعبان, وأعجب الفرعون بحكايته لدرجة أنه أمر أن تدوّن على أوراق البردى.

وبعيداً عن الأساطير, فقد شهد البحر الأحمر واحداً من أكبر المشاريع التي غيّرت مجرى الملاحة في العالم, وتسبب في العديد من المشاكل والحروب ونعني به مشروع قناة السويس.

إنه ذلك المشروع الذي يربط بين بحرين من أهم بحار العالم, الأحمر والأبيض المتوسط, وهي فكرة قديمة, ويقال إن الفراعنة كانوا هم مَن قاموا بتنفيذها وأطلقوا عليها (قناة سيزوستريس) تحمل اسم الفرعون الذي قام بإنشائها, وكانت تصل البحر الأبيض بالنيل وتخرج من النيل قناة تسير إلى البحر الأحمر, وتجددت الفكرة في العصر الحديث مع قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر, وحاول نابليون بونابرت أن ينفّذها, ولكن العلماء الفرنسيين حذّروه من ذلك, وقالوا له إن مستوى المياه في البحر الأحمر أعلى منها في الأبيض, ولو أنه فتح القناة لغرقت مصر كلها, وقد تراجع نابليون ولكن العلم لم يتراجع, فقد ظهرت بعد ذلك بسنوات نظرية الأواني المستطرقة, التي أثبتت أن مستوى ارتفاع البحار والمحيطات واحد في كل العالم, أي أن مشروع وصل البحرين قابل للتنفيذ.

القناة وأهميتها

وكان من حمل فكرة المشروع هذه المرة فرنسيا آخر اسمه (فرديناند دي ليسبس) الذي كان يعرف والي مصر (سعيد) في ذلك الحين معرفة وثيقة, فقد كان أبوه هو قنصل فرنسا في مصر, وكانت بينهما صداقة تمتد إلى أيام الطفولة, وقد اقتنع الوالي وأصدر أمراً بإنشاء شركة قناة السويس في يناير 1856, من يومها وقد تغير تاريخ مصر وربما تاريخ المنطقة كلها.

لقد قدمت مصر أراضي واسعة من أجل هذا المشروع وأربعة أخماس القوى العاملة, مئات الآلاف من الفلاحين الذين ساهموا في الحفر بأجور زهيدة, طعام قليل وسياط لا تكف عن جلدهم كلما توانى واحد منهم عن العمل, كان ثمن البشر غالياً, فقد مات المئات منهم من الإرهاق والأوبئة ولم تمتلك مصر من حصة القناة إلا 44% من أسهم الشركة بقرض استدانته من أحد البنوك, وقد زادت القناة من أطماع الدول الأوربية, كل واحدة منها كانت تريد الاستيلاء على هذا الشريان المائي المهم, ورغم أنه كانت هناك اتفاقية تتضمن حرية الملاحة في قناة السويس إلا أن إنجلترا ضربت عرض الحائط بذلك واحتلت مصر لتفرض سيطرتها على القناة في عام 1882, وقد بقي الاحتلال البريطاني لمصر أكثر من سبعين عاماً, بل إن إسرائيل قد أنشئت أيضاً في هذه المنطقة لتكون بجانب قناة السويس. تحررت مصر من الاحتلال البريطاني عام 1954 وأممت القناة بعد ذلك بسنتين, ولكن مصر تعرّضت بسبب ذلك إلى حرب مدمّرة اشتركت فيها ثلاث دول هي إسرائيل وبريطانيا وفرنسا, وتسبب ذلك في إغلاق القناة, وعندما خرجت مصر منتصرة من هذه الحرب أعيد فتحها, ولكنها أغلقت مرة أخرى بعد هزيمة مصر في حرب 5 يونيو عام 1967, ثم أعيد افتتاحها حين انتصرت في عام 1973. وكما ترون, لقد تسبّبت أهمية هذه القناة التي لا يزيد طولها على 195 كيلومتراً وعرضها حوالي 60متراً في حروب عدة للسيطرة عليها.

ويبقى البحر الأحمر, سطحه شاهدا على صعود وأفول عشرات الحضارات, وباطنه متحفاً لكل أنواع المخلوقات المائية.

 


 

محمد سيف

 




جزيرة من الزبرجد تحت سطح الماء مليئة بألوان وأشكال لا نظير لها في أي بحر آخر





أسماك مختلفة الأشكال والألوان، متحف حي ونادر تحت الماء



































من كل أنحاء العالم يأتي هواة الغوص إلى مياه البحر الأحمر