صفا وحنان والهدية العجيبة.. قصة: فؤاد عمران

صفا وحنان والهدية العجيبة.. قصة: فؤاد عمران
        

رسم: ابراهيم البريدي

          همست حنانٌ ببضعِ كلماتٍ في أذنِ صفا، ثم وضعت يدَها في جيبِها وأخرجت منها قطعتين نقديتين وهي تقول:

          - هذا ما جمعته حتى الآن، وسأبقى أوفّر مصروفي حتى أستطيع شراء هدية جميلة لأمي. أعادت حنان نقودَها إلى جيبِها وسألت أختَها صفا:

          - وأنتِ ماذا ستفعلين؟

          كانت حنان تعتقد أنها الوحيدة التي تتذكر أن عيد الأم سيأتي بعد ستة أيام، وتظن أنها الوحيدةُ التي فكرت في ادّخار مصروفَها لشراءِ هدية جميلة لأمِها، لذلك فوجئت عندما أخرجت صفا أربع قطع نقدية وقالت ضاحكةً:

          - أنا جمعت مبلغًا أكبر، وستكون هديتي أغلى ثمنًا وأجمل من هديتك.

          شردت حنان قليلاً، ثم ضحكت لأن فكرة ذكية طرأت على ذهنِها فحدّثت نفسَها قائلةً:

          «سأطلب من أبي أن يضاعفَ لي مصروفي كي أستطيع أن أجمع نقودًا أكثر مما ستجمعه صفا، وهكذا سوف أستطيع أن أشتري لأمي هديةً أجمل من هديتِها...».

          وبينما هي تفكرُ في حيلةٍ تقنع بها أباها كي يوافق على زيادةِ مصروفِها، فاجأتها صفا مرةً أخرى عندما قالت بسرورٍ:

          - ولقد طلبت أيضًا من أبي البارحةَ أن يضاعفَ مصروفي فوافق بشرط أن أبقى مجتهدةً في المدرسةِ.

          عند ذلك انفجرت حنان ضاحكةً، ففوجئت صفا هذه المرة، وسألت حنانًا عن سبب ضحكها فأجابتها وهي تضحكُ:

          - أنا أضحك... لأنني دائمًا أظن أنني أول من يفكر في الأمورِ الجديدةِ ودائمًا تكونين أذكى مني، وعندما أبدأ في التفكير بشيء ما تكونين أنت قد انتهيت من التفكيرِ فيه.

          ضحكت صفا لظرافةِ أختها الصغيرة، فقد فهمت أن أختها كانت تفكر في أن تطلب زيادةَ مصروفها من أبيها، وقالت:

          - لا داعي لأن تطلبي زيادة مصروفك، فأنا لدي خطة لا بأس بها...

          فسألتها حنان بفضولٍ:

          - وما هي يا أختي الذكية؟

          مدت صفا اصبعها إلى أنفِ أختِها الصغرى حنان ونقرته نقرات خفيفة مداعبة، وهي تقول لها بدلالٍ:

          - غدًا أخبرك بالخطة... الآن حان وقت النوم، هيا إلى فراشكِ كي نصحو باكرًا، فغدًا لدينا دروس كثيرة.

          قالت صفا ذلك، وتمددت في سريرِها بعد أن أطفأت النورَ.

          تقلبت حنان في فراشِها الصغيرِ عدة مرات، حاولت أن تنامَ لكنّ عينيها لم تغمضا، فهي لم تستطعّ أن تكفَّ عن التفكيرِ في خطةِ أختِها صفا، وضعت رأسَها تحت الوسادةِ لكنها لم تستطع النومَ، ولم تستطع أيضًا منع نفسَها من التفكيرِ بالخطةِ، وضعت كفّيها على عينيها محاولةً أن تغمضهما بالقوة فلم ينجح الأمر، حاولت أن تعد من الواحد إلى المائة، لكنها لم تستطع أن تركّز في العدِّ لأكثرِ من الرقمِ أربعة فقد ألحّ عليها التفكير في الخطةِ من جديد. حاولت التفكير في الهديةِ التي وعدتها بها المعلمة بعد أن حصلت على أعلى درجة بين زميلاتها في مذكرات الشهر، لكن خطة أختها صفا لم تفارق مخيلتها، وضعت الوسادة مرةً أخرى فوقَ رأسها وحاولت الضغطَ عليها عساها أن تساعدها لكنها لم تفلح، فقالت محدّثةً أختَها بصوتٍ منخفضٍ:

          - صفا...

          لكن صفا لم ترد، فرفعت حنان صوتَها قليلاً، وقالت من تحتِ الوسادةِ:

          - صفا... هل نمت؟

          كانت صفا تتظاهر بأنها نائمةٌ وهي تراقب حركات حنان فهي تعرف أن أختَها الحلوةَ الصغيرةَ لن تستطيع النومَ إلا بعد أن تعرف ما هي الخطة، فردت هامسةً:

          - ماذا تريدين يا حنان؟... ألم تنامي بعد؟

          رفعت حنان الوسادة من فوقِ رأسِها، وأشعلت النور وجلست على السريرِ وهي تقول:

          - أرجوك يا صفا... لا أستطيع النوم... أخبريني ما هي خطتك؟

          جلست صفا على سريرِها وضحكت ثم قالت:

          - حسنًا سأخبرك بشرط أن يبقى الأمر مفاجأةً.

          وبعد أن وافقت حنان على الشرطِ قالت صفا:

          - أنا أقترح ألا نثقل على أبينا بطلبك زيادة مصروفك أيضًا لأن أبانا لديه كثير من المصاريفِ، فما رأيك أن نجمعَ مصروفَنا معًا ونشتري بالمبلغِ الذي سنجمعه هديةً مشتركةً ونهديه لأمِنا معاً؟ ستكون هديةً جميلةً وستفرح أمّنا كثيرًا.

          فرحت حنان كثيرًا، ووافقت فورًا على خطةِ أختها الذكية، فقالت لها صفا:

          - هيا نامي الآن، فقد أخبرتك بخطتي.

          أعادت حنان الوسادةَ فوقَ رأسها وتمددت على السريرِ وهي تقول:

          - حسنًا... تصبحين على خير يا صاحبة الخطط الذكيةِ...

          وبعد خمسةِ أيام، قبل عيد الأمِ بيومٍ واحدٍ، جلست حنان وصفا تعدّان المبلغَ الذي جمعتاه، وتتناقشان في ما ستكون الهدية التي ستشتريانها، وفي تلك اللحظاتِ، كانت أمهما تقف خلف البابِ وتستمع إلى حديثهما.

          قالت حنان:

          - إن أمي تحبُّ قراءةَ القصص كثيرًا، فما رأيك أن نشتري لها مجموعةً قصص جميلة؟

          ستفرح كثيرًا...

          فقالت صفا:

          - نعم... إنها فكرةٌ جميلةٌ وذكيةٌ أيضًا.

          ضحكت صفا وتابعت وهي تعبثُ بشعرِ أختِها حنان:

          - يبدو أنك أنت أيضًا تملكين خططًا ذكيةً.

          وعندما ضحكتا بفرحٍ، فتحت أمهما البابَ ودخلت وهي تقول لهما:

          - أخبراني.. ما الذي يضحككما؟

          أرادت حنان أن تتكلم فورًا فلكزتها أختُها وهمست في أذنِها قائلةً:

          - «ألم نتفق أن هذا الأمر هو مفاجأةً؟ لا تخبريها الآن».

          سكتت حنان بينما قالت صفا:

          - غدًا نخبرك يا أمي.. لن نخبرك الآن..

          جلست الأمُّ بينهما.. ضمتهما إلى حضنِها وقالت لهما:

          - أنا أعرفُ... لقد سمعتكما... أنتما تريدان شراء هديةً لي... أليس كذلك؟

          نظرت كلٌّ من حنان وصفا في عيني الأخرى، وتابعت الأمُّ:

          - أنا أعرفُ أنكما تفكران في شراءِ شيءٍ أحبه لتقدماه لي هدية في يوم عيدي غدًا... أليس كذلك؟

          فردّتا بصوتٍ واحدٍ:

          - نعم يا أمي.

          فقالت الأمُّ:

          - أنا أحبُّ شيئًا لا تعرفان ما هو... وغدًا سأخبركما به.

          قاطعتها حنان وقالت بفرحٍ وبكلماتٍ سريعةٍ:

          - أرجوك يا أمي أخبرينا به الآن حتى نشتريه لك.

          فقالت الأمُّ:

          - لا يا ابنتي.. هذا الشيء أنا مَن سيشتريه... تستطيعان الآن أن تعطياني المبلغَ الذي جمعتماه، وأنا سأضيف إليه قليلاً مما ادّخرته من مصروفي.

          قاطعتها حنان مرة أخرى ضاحكةً، وهي تقول مستغربةً:

          - مصروفك؟ هل يعطيك أبي مصروفًا أنت أيضًا؟

          ضحكت الأمُّ، وقالت هامسةً بعد أن قبلت حنان وصفا:

          - نعم... فأبوكما يعتبرني بنتًا صغيرةً أيضًا.

          قالت صفا ضاحكةً:

          - إذن فإن أبي لديهِ ثلاث بنات صغيرات.

          داعبت الأمُّ شعرَ صفا وحنان، وقالت لهما:

          - أعطياني الآن ما جمعتماه، وغدًا ستعرفان ما هو الشيء الذي أحبّه.

          أخذت الأمُّ النقودَ وغادرت الغرفةَ وتركتهما حائرتين تتساءلان عمّا هو الشيء الذي تحبّه أمهما.

          وفي اليوم التالي أفاقتا باكرًا... غسلتا وجهيهما ونظفتا أسنانهما، ثم توجهتا إلى غرفةِ المائدةِ حيث كانت أمهما قد أعدّت الوجبةَ الصباحيةً الخفيفةَ، كانت أمهما تنتظرهما كالعادة مع أبيهما الذي يجلسُ على كرسي مقابل لها، وكان هناك على الطاولةِ بجانبِ إبريقِ الشاي كيسان ملوّنان، قبّلت صفا وحنان أباهما ثم أمهما وهما تقولان لها:

          - كل عام وأنت بخير.

          ردّت الأمُّ:

          - وأنتما بخير يا ابنتي الحبيبتين... هيا تناولا طعامكما.

          جلست البنتان وعيونهما معلقةً بالكيسين اللذين يحويان ما تحبّه أمهما، سكبت الأمُّ الشايَ للجميعِ وقالت لهم:

          - كلوا بالصحةِ والعافيةِ.

          وضعت حنان قطعةَ جبنٍ في فمِها وقالت وهي تمضغها:

          - ماذا يوجد داخل الكيسِ يا أمي؟

          ضحك الجميعُ عندما قالت حنان تلك الكلماتِ التي خرجت عريضة من فمِها لأنها قالتها وهي تمضغُ قطعةَ الجبنِ، وضحكوا أيضًا عندما قلّدت صفا أختَها حنان وقالت بصوتٍ عريضٍ:

          - ماذا يوجد داخل الكيسين يا أمي؟

          قالت الأمُّ:

          - بعد أن ننتهي من الطعامِ ستعرفان.

          أكلت البنتان بسرعةٍ ثم قامتا معًا بعد دقيقتين فقط وهما تقولان:

          - الحمد لله... شبعنا.

          وبعد أن غسل الجميعُ أيديهم... حملت الأمُّ الكيسين واتجهوا جميعًا إلى غرفةِ الجلوسِ، وهناك... ناولت الأمُّ أحدَ الكيسين لصفا، والآخر لحنان، وهي تقول:

          - افتحاهما وستعرفان ما أحبّه.

          وما أشد دهشةً كل من حنان وصفا حين أخرجتا من الكيسين ثوبين جميلين بمقاسهما، تبادلتا النظرات وهما محتارتان في أمرِ هذه الهدية،ِ ولكن الأمَّ قطعت عليهما هذه الحيرةِ وقالت:

          - يا ابنتيّ... إن أكثر شيء أحبّه هو أن أراكما جميلتين دائمًا... وأن تبقيا مثلما أنتما مجتهدتين في دروسِكما، ومتفوقتين دائمًا، وتحب كلٌّ منكما الأخرى وكل الناسِ...

          قالت الأمُّ ذلك وضمّتهما إلى صدرها وقبّلتهما، بينما قال الأبُّ ضاحكًا وهو يراقبهنَّ:

          - يبدو أن لدي ثلاث بنات صغيرات وليس اثنتين فقط.

          .. ها.. ها.. ها.. ها...

          ضحك الجميعُ...

          وعرفت كلٌّ من حنان وصفا ما الذي يسعدُ أمهما في عيدِها، وعرفتا أنهما إن بقيتا نظيفتين وجميلتين ومجتهدتين، فستبقى أمهما سعيدةً في كل أيامِ السنةِ، وليس فقط في يوم عيدِ الأمِّ.