الإسلام حضارة.. فريد أبو سعدة

الإسلام حضارة.. فريد أبو سعدة
        

روّاد العلم في الإسلام... الحسن بن الهيثم

رسم: أحمد فايد

          لم يَعْرف قدر وأهمية العِالم العربي «الحسن بن الهيثم»، من الذين عاشوا في زمنه، إلا القليلون، وفي مقدمة هؤلاء الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله (996 - 1021م).

          كان «الحاكم» عالما وفيلسوفا واسع الثقافة، وقد اشتهر بتشجيعه للعلوم والفلك والفلسفة، فأسس في القاهرة (عام 1004م) «دار الحكمة» و«دارالعلم» الملحقة بها وزودهما بالآلاف من الكتب في سائر العلوم والمعارف والآداب، وأباح الاطلاع فيهما للجمهور وطلاب المعرفة، فتردد عليها القراء والعلماء، حتى أصبحت أول مكتبة عامة في الإسلام.

          وكان «الحاكم» كثيرا ما يستدعي، من دار الحكمة ودار العلم، جماعات من الأطباء، والرياضيين، وعلماء المنطق، والفقهاء، للمناظرة بين يديه، حتى صارت الفسطاط والقاهرة من أهم مراكز الثقافة في عصره.

          ولم يكن «الحاكم» يكتفي بتشجيع العلماء في دولته، بأن يكرمهم، ويوفر لهم الحياة الهانئة، ليتفرغوا للعلم وتطوير واختراع الأدوات فقط، بل كان يتابع إنجازات العلماء في كل مكان، وما إن سمع بالعالم والمهندس البصري «الحسن بن الهيثم»، وتحقق من عبقريته في العلوم الهندسية، حتى استدعاه إلى مصر لتنفيذ مشاريع الري التي كان يفكر فيها.

          يصف المؤرخون لقاء «الحاكم» بالعالم البصري فيقولون:

          وقف «الحاكم» مع حاشيته، وكبار رجال دولته، عند قرية على باب القاهرة تعرف بـ «الخندق»، ليكون في استقبال «الحسن بن الهيثم» ساعة قدومه من السفر، ظلّ «الحاكم» ينتظر حتى وصل «ابن الهيثم» في جبّته الواسعة، وعمامته الكبيرة، فاستقبله استقبالا جليلا، ورحّب به ترحيبا بالغًا، وأمر بأن ينزل ضيفًا عليه، في قصر من قصوره.

كتاب «المناظر»

          أحاط ابن الهيثم، أو«الهازن» (كما يسمونه فى الغرب تحريفا لاسمه «الحسن»!) بكل أبحاث السابقين عليه، وصاغها بعد أن صحّحها وأضاف إليها أبحاثه الجديدة، وجمعها في كتابه «المناظر» الذي أحدثَ فور صدوره انقلابًا في علم البصريات، وجعل منه علما مستقلا له أصوله وقوانينه، وقد ترجم إلى اللاتينية في القرن الثالث عشر الميلادي، واعتمدته الجامعات فى أوربا مرجعًا أساسيًا عدة قرون، وكان تأثيره كبيرًا في علماء عصرالنهضة مثل «روجر بيكون» و«كبلر».

          وترجع أهمية علم البصريات إلى أن أي تقدم فيه ينعكس على باقي العلوم، فلا يمكن أن تتقدم علوم الفلك والفضاء والطب والجيولوجيا إلا بتقدم الأجهزة البصرية وأبحاث الضوء، تخيل يا عزيزي حال هذه العلوم، من غير وجود عدسات التلسكوب والميكروسكوب والليزر، هل كان يمكن لها أن تصل إلى ما وصلت إليه من تقدم؟!

          لقد أدت أبحاث ابن الهيثم إلى اكتشاف كثير من الحقائق العلمية المهمة التى لاشك أنك تدرسها الآن، فقد برهن على أن الضوء ينتشر في خطوط مستقيمة، وأن له سرعة محددة، كما أثبت أن القمرجسم معتم يأخذ نوره من الشمس، وحسبَ سمك الغلاف الجوى المحيط بالأرض، كما فسّر ظهور الهلال والغسق وقوس قزح، ووضع المعادلات الرياضية التي تشرح قوانين انعكاس وانكسارالضوء.

          لقد أحدث ابن الهيثم انقلابه الهائل بأسلوب العالِم الواثق، والمهندس البارع، والتجريبي المدقق، فاستحق أن يخلد اسمه مع صنّاع التراث العلمي للحضارة الإسلامية.

النظارة

          لا أحد يمكنه الآن أن يستغني عن النظارات الطبية، أو العدسات اللاصقة لتصحيح عيوب النظر، ولا أحد يستغني عن النظارات الشمسية لحماية العين من الأشعة.

          ولكن من منا يعرف أن «الحسن بن الهيثم» كان أول من اخترع نظارة مكبّرة للقراءة؟!

 


 

فريد أبو سعدة