قصة من التراث البولندي.. البطة الذهبية

قصة من التراث البولندي.. البطة الذهبية

رسوم: علي فكري

منذُ قديمِ الزمانِ عندما لم تكن وارسو بعد عاصمةً لبولندا، بل كانت فقط قلعة لأمراء عائلة مازوفتسكي، عاش في هذه المدينة تلميذ الإسكافي وكان اسمه ياسكو. كان هذا الفتى مقداماً وشجاعاً وكان يحب للغاية كل أنواع المغامرات. وبما أن محفظة النقود الخاصة به كانت خالية كان ياسكو يفكر دائماً كيف يملأ هذه المحفظة بالقليل من النقود بطريقة شريفة. كانت الأسطورة في ذلك الوقت تقول كما لو أن في الأنفاق الموجودة تحت قلعة أمراء عائلة مازوفتسكي، (حوائط هذه القلعة موجودة إلى الآن في شارع تامكا)، كانت توجد بحيرة صغيرة. في هذه البحيرة كانت تسبح بطة ذهبية. هذه البطة كانت المالك السابق لهذه القلعة. كانت هذه البطة أثناء حياتها طماعة وبخيلة، وهي الآن تعيش في الأنفاق لكي تحرس ثرواتها. وكانوا يقولون أيضاً إن هذه البطة سوف تهدي ثروتها الهائلة للمقدام الذي سوف ينزل إلى الأنفاق ويجد البحيرة. ذات مرة قرر ياسكو أن يجرب حظه، فقرر أن يبحث عن البطة ويثرى بطريقة شريفة.

لبس أحسن ما عنده واتجه إلى القلعة. طاف طويلاً في الممرات والأنفاق المظلمة وكان يتحسس بيديه الحوائط الرطبة. ونزل على السلالم الحجرية إلى أعماق كبيرة. حتى وجد نفسه في مغارة كبيرة ومضاءة بنور عجيب ومصدره كان إما من السقف أو من الحوائط الحجرية. في هذا الضوء الباهت كان الماء الفضي الداكن يرش رشات خفيفة في البحيرة.

توقف ياسكو عند الماء وقال في نفسه: كان الناس يقولون إنه توجد في الأنفاق بحيرة. لكن أين سأبحث عن هذه البطة وأطلب منها الكنز؟

ما أن فكر في هذا حتى ظهرت من الماء بطة ذات ريش ذهبي مما جعل المغارة تزداد نوراً. سبحت البطة حتى وصلت إلى ضفة البحيرة وقالت بصوت بشري: يبدو انك فتى شجاع حيث أتيت إلى هنا من دون خوف. يجب علي أن أكافئك. لكن من أجل أن تحصل على ثرواتي، يجب أن يكون قلبك ليس فقط شجاعاً إنما أيضاً قوياً. لأن صاحب القلب الرقيق سينفق الثروة بسرعة جداً. لذلك، قبل أن أفتح لك كنزي، يجب عليك اجتياز اختبار آخر. خذ المائة درهم، هذه يجب أن تنفقها على نفسك خلال يوم واحد فقط. وإذا أنفقت ولو قرشاً واحداً على الآخرين، لن تحصل على أي شيء.

كان ياسكو يصغي إليها بصمت، ثم انحنى ليرفع محفظة النقود الثـقيلة التي سقطت بصوتها الرنان عند قدميه. ألقى التحية على البطة وقفل (عاد) راجعاً.

كان ياسكو يوزن المحفظة الثقيلة في يده، عندما ابتسم ابتسامة خبيثة في نفسه وبدأ بالتفكير كيف ينفق النقود: سألبس لباساً جميلاً وسآكل حتى الشبع وسأتسلى كثيراً. سأنفق هذه الدراهم بسرعة كبيرة كأنها لم تكن، وفي الغد سأذهب حتى أحصل على الكنز. سوف أشترى ملابس جميلة وغالية الثمن من وسط المدينة. ولكن على الرغم من أنه اشترى ملابس كثيرة غطته من رأسه إلى أخمص قدميه إلا أن المحفظة ما زالت ثـقيلة. فذهب ياسكو إلى مطعم فاخر وطلب أطيب وألذ طعام مع العسل الطيب. وأخذته الدهشة عندما دفع فقط درهماً واحداً مقابل ما أكله. حل المساء، أين سينفق ياسكو باقي النقود؟ تسكع ياسكو في الشوارع طويلاً ثم دخل إلى دكان اشترى منه أشياء كثيرة لا أهمية لها. وصل أخيراً إلى ساحة في المدينة وقد نُصبت خيمة كبيرة وفيها كان البهلوانيون والحواة يقدمون عروضاً. جلس ياسكو في مكان مميز جداً، دفع فيه الكثير، وضحك كثيراً حتى انهمرت الدموع من عينيه ولكن عندما خرج من الخيمة تذكر من جديد همومه. ظلت في المحفظة عشرة دراهم بعد. كيف سينفقها؟ كان ياسكو واقفاً مستغرقاً في التفكير، عندما اقترب منه فجأة رجل عجوز أحدب أشيب الرأس طالباً منه حسنة ومد يده ليقول: ساعد العجوز أيها الفتى الوسيم....

كان قلب ياسكو طيباً وحساساً لأي مصيبة تصيب أي إنسان، ووضع من دون تفكير في راحة اليد الممدودة درهماً ذهبياً.

فجأة كان شيئاً إنشق من حوله، كما لو أن صاعقة ضربت، سمع ياسكو فجأة من خلفه صوت البطة الذهبية، ليس عذباً كما في الأنفاق، ولكن كان صوتاً صارماً وساخطاً:

لم تستطع الالتزام بالاتفاق، أشفقت على الكسيح! قلبك حساس أكثر من اللازم حتى ترث كنوزي. لا تحاول حتى النزول إلى الأنفاق، لأنك ستواجه فقط الموت هناك.

التفت ياسكو من حوله، لكنه لم ير أحداً. اختفى الرجل العجوز أشيب الرأس. يبدو أنه رحل دون أن يلحظه أحد وذلك عندما كان ياسكو يصغي إلى صوت البطة.

هز ياسكو كتفيه وضحك ضحكة ساخرة في نفسه: لست بحاجة إلى هذه الثروات التي لن أستطيع استخدامها لخير الآخرين.

كان يصفر بسعادة وهو ذاهب إلى البيت. خبأ الملابس الجميلة، التي أشتراها بالدراهم الذهبية، في الصندوق. في الصباح التالي لبس ملابسه القديمة. منذ ذلك الحين عاش ياسكو كما كان يعيش سابقاً.وبما أنه كان فتي طيباً ومحباً للعمل فلقد حالفه الحظ في حياته كثيراً. وبعد فترة أصبح ياسكو حرفيا و مهنيا وفتح ورشته الخاصة به. ولم يأسف على الكنوز الضائعة.

- احترام الناس بالنسبة لي أغلى من الذهب، هكذا كان يقول ياسكو عندما كان يطرق كعادته المطرقة في قالب الحذاء، وعندي القرش الذي أكسبه بجهدي الخاص أفضل من كنوز الأنفاق الدفينة.

 


 

تعريب الدكتور: ناصر محمد الكندري