يومٌ ماطرٌ

يومٌ ماطرٌ

رسوم: إياد حمادة

لحظةُ استغراقِ يامن بِلعْبَةِ كرةِ القدم، وتَمْريرِ الكرة له من زميله، للتسّديد على مرمى الخصمِ، بدأَ المطرُ ينهمرُ.

سدَّدَ يامن بقوَّةٍ، لكنَّه انزلقَ وارتطمت الكرةُ بالعارضةِ مرتَّدةً إليه مرة أخرى. قفزَ بكلِّ قوةٍ... وبضربةٍ من رأسهِ، أدخَلها داخلَ المرمى.

تمرَّغَ يامن بالطينِ من رأسهِ إلى أخمصِ قدميه، وارتسمَتْ الابتسامةُ على وجوهِ اللاعبين الذينَ تفرَّقوا منسحبينَ لهطولِ المطر بغزارة.

بقيَ يامن وحيداً ينظرُ إلى كرتِهِ داخلَ الشباك. فجأةً دوى صوتُ الرعدِ، فانتفضَ هارباً والهلعُ على مُحياه.

توقفَ يامن متذكراً كرَته... وأخذَ يخطو إلى الأمامِ والخلفِ متردداً.

«أيرجعُ لأخذِ كرتِهِ أمْ يتركُهَا ويمْضِي؟!».

لكنَّهُ باغَتَ نفسَهُ بسؤالٍ مَسموع: «إذا كانَ صوتُ الرعْدِ ناجماً عن (بسبب) اصْطِدامِ غيمتين، فلماذا أنا خائفٌ إذن؟!». وأردفَ يجيبُ «صوتُ الرَعْدِ لن يُخيفَني مادمت عرفتُ السببْ».

بخطواتٍ متباطئةٍ، اتجَّهَ يامن إلى كرتِهِ التي طفَتْ على بقعةِ ماءٍ داخلَ المرمى. حمَلها وأخذَ يزيلُ الطينَ عنها بماءِ المطرِ المنَهمرِ. وضعَهَا أرضاً وراحَ يغتسلُ بقطرات الماءِ المتجمِّعةِ بكفِّيْه الصغيرتين، متأملاً إياها بشرود، فالجوَّ كانَ لطيفاً ومنحَهُ الوقتَ الكافي ليفكرَ ملَّياً (بهدوء).

خطرتْ ليامن أفكارٌ وصورٌ شتى. فتخيَّلَ رحلةَ قطرات الماءِ التي يحضنُها بيديه. همسَ منتشياً: «هذهِ القطرةُ أتتْ من المحيط الأطلسي، وهذه منَ المحيطِ الهندي. وهذه منَ البحرِ الأبيض المتوسطِ، وتلكَ من الخليج العربي. إنني أشمُّ رائحةَ الحوتِ الأزرقِ والأبيضِ أيضاً، فلابد أن هذه الحيتان قد لامسَتْ تِلك القطراتِ أثناءَ مرورها! يا إلهي كمْ هذا جميل! هذه القطراتُ تجتمعُ من كلِّ محيطات وبحارِ الدنيا لتشَّكَل حفنةَ ماءٍ بين يَديْ!».

التفتَ يامن إلى كرتِهِ السابحةِ في جدولٍ تَشَّكلَ من ماءِ المطر. مشى يَلحقُ بها وهو يردِّد فرحاً: «هذهِ القطراتُ تآلفَتْ وتناَغَمَتْ بكلِّ محبةٍ، لتصنعَ شيئاً رائعاً. ولتعطيَ دون مقابل، من غيرِ أن تَتَفاخَر قائلةً: أنا من الغرب والشرق أو الجنوب والشمال».

ازداد صوتُ الرعدِ وأحدثَ البرقُ صَدْعاً جميلَ الألوانِ في الفضاء. لكنْ الخوفَ تسلَّلَ إلى يامن مرةً أخرى، فعادَ مهرولاً إلى بَيتِهِ مَبللَّ الثَّياب. كان والداه قلَقْينِ لتأخِره في مثلِ هذا الجوِّ الماطر.

الأمُّ أنَّبَتْ ابنَها بحنانٍ وحرصٍ. أما الأب فكانَ يتفرَّسُ بوجه ابنِه الذي بَدتْ عليهِ ملامحُ شرودٍ غَريبة.

بعدَ أنْ اغتسلَ يامن وغير مَلابسَه، دَعاهُ الأبُ للتحدِّثِ معاً.

سردَ يامن لأبيهِ ما حصلَ مَعهُ، وكانت سعادةُ الأبِ لا توصفُ لهذهِ التجربةِ التي عَاشَها الابن، والأسئلةُ التي تفَّتَقتْ عَنها.

أردفَ الأبُ قائلاً: «كم نحنُ بحاجةٍ للمحبةِ والتآلف كما تَآلفت حَباتُ المطرِ، لِنَعيش بطمأنينةٍ في هَذا العالم!».

 


 

سلمان صيموعة