قصة من التراث الهنغاري.. معطفُ الفروِ القصيرُ

قصة من التراث الهنغاري.. معطفُ الفروِ القصيرُ

يرسمها: علي فكري

كان يعيش في إحدى القرى منذ قديم الزمان فلاح وزوجته وابنته. وفي إحدى المرات زارهم شاب وصديقه يطلب يد ابنته للزواج. وأثناء اختيارها إناء العصير الذي ستقدمه للضيفين لاحظت فجأة وجود جذع شجرة مستنداً إلى حائط القبو. وعندما رأت الفتاة هذا الجذع بدأت بالتفكير: سيصبح لديّ ابن وسوف أشتري له من السوق معطفاً صغيراً، وسيذهب ابني بالصدفة إلى القبو وسيبدأ بالقفز بالقرب من جذع الشجرة، وسيقع الجذع على ابني ويقتله. ومن سيصبح مالك المعطف القصير؟ وما إن فكرت الفتاة في هذا حتى أصابها اليأس وجلست على الدكة ثم بدأت بالبكاء.

وكان الضيوف ينتظرونها في المنزل حتى ضاق صبرهم من الانتظار. عندئذ أرسل الأب زوجته إلى القبو.

- يا زوجتي، اذهبي وتأكدي أين ذهبت ابنتنا؟! لقد تأخرت كثيراً في القبو، لعلها سكبت العصير على الأرض وتخاف أن تأتي إلى هنا.

نزلت صاحبة المنزل إلى القبو ورأت ابنتها جالسة على الدكة وهي تبكي.

- ماذا حدث لك يا ابنتي، لماذا تبكين بمرارة هكذا؟

وبدأت تحكي لأمها، ما تراءى لها. وما إن سمعت الأم عن المعطف القصير وعن الحفيد حتى جلست بالقرب من ابنتها وبدأت أيضاً بالبكاء.

ضاق صبر صاحب المنزل من انتظار العصير وهو جالس مع الضيوف ثم غضب وسخط حتى بدأ يشتم:

- من الواضح أن هاتين المغفلتين قد سكبتا كل العصير على الأرض. سأذهب لأرى أين ذهبتا.

نزل إلى القبو ورأى زوجته وابنته تذرفان الدموع وأواني العصير كاملة وسليمة ولم يستطع الأب أن يدرك ما حدث لهما:

- كفّا عن البكاء! أخبراني ما الذي حدث؟ وهما يقولان له من خلال الدموع:

- كيف يا أبتاه لا نبكي عندما علقت في أذهاننا هذه الفكرة الحزينة.

وأخبرتا الأب بكل شيء حتى أنهما ألهبتا مشاعره وجلس على الدكة بالقرب منهما وبدأ بالبكاء معهما بصوت واحد.

انتظر العريس طويلاً . نهض من مكانه وذهب وراء أهل المنزل إلى القبو.نظر العريس إليهم وهو لا يفهم ما الذي يبكيهم بمرارة. سألهم، فأجابوه. هنا انفجر العريس ضاحكاً حتى أن أواني العصير اهتزت اهتزازاً شديداً وقال:

- لم أر من قبل أناسا غريبي الأطوار مثلكم. سأغادر الآن وأبدأ في الترحال إلى أن ألتقي ثلاثة من غريبي الأطوار مثلكم. وإذا لم أقابل أحداً فأرجو عدم المؤاخذة! وإذا قابلتهم فسوف أرجع وأتزوج ابنتكم وكما تشير علي الصدفة!

وبدأ بالترحال. وترك خطيبته ووالديها في القبو حتى يشبعوا من البكاء.

وبعد أن سافر الشاب إلى سبع وسبعين دولة، رأى شخصاً يمارس عملاً غريباً: كانت أمامه كومة من البندق وكان يحاول أن يرمي البندق بالمذراة إلى سطح منزله. اقترب الشاب من هذا الشخص وسأله:

- ماذا تريد أن تفعل بالبندق يا عم؟

- أنا هنا لا أعرف الهدوء ولا الراحة. منذ نصف عام وأنا أحاول أن أرمي البندق إلى العلية ولكن من دون فائدة. بالرغم من أنني إنسان فقير، لكني مستعد أن أدفع مائة درهم للشخص الذي يستطيع أن يرمي هذا البندق إلى السطح.

قال الفتى: حسناً أنا سأفعل هذا.

ثم أخذ وعاء وخلال نصف ساعة حمل كل البندق إلى السطح. ثم تسلم المائة درهم وذهب في حال سبيله. وبدأ الشاب بالتفكير في نفسه : نعم وجدت أول غريب أطوار.

وتابع سفره ومرة أخرى قابل شخصاً. نظر إليه الفتى ولم يستطع أن يفهم ما الذى يفعله ذلك الشخص. كان يحمل في يديه طشتاً خشبياً وكان يدخل به إلى بيته ويخرج من بيته عائداً وفي يديه الطشت. اقترب الشاب وألقى التحية وسأله:

- طاب يومك أيها العم! ماذا تفعل؟

- في الربيع سأكمل عاماً على بنائي هذا المنزل ولا أعرف لماذا هو مظلم. وأنا منذ أن انتهيت من بناء منزلي وأنا أحاول أن أدخل النور عن طريق الطشت إلى المنزل وكما ترى الآن إني أبذل الجهد لأضيء المنزل. سأعطي مائة درهم لمن يجعل منزلي مضيئاً.

قال الشاب:

- هذا العمل في مقدوري.

أخذ الشاب فأساً وفتح في جدار المنزل فتحتين لتصبحا نافذتين ثم دخل النور إلى المنزل.

تسلم الشاب المائة درهم وذهب في حال سبيله.

ثم قال في نفسه: وهذا هو غريب الأطوار الثاني!

تابع الفتى سفره وفجأة رأى امرأة تحاول أن تدفع بالكتاكيت بقوة تحت جناح الدجاجة. صاح عليها الشاب:

- ماذا تفعلين ياخالة؟

- قالت المرأة: أريد أن أضع الكتاكيت تحت الدجاجة، أخاف أن يفروا في اتجاهات مختلفة وستمسك بهم الحدأة (طائر من الجوارح). مستعدة أن أدفع مائة درهم لمن يعلمني ما هو الحل!

قال الشاب:

- حسناً، سأعلمك. لا تنزعجي ياخالة، ولا تضعي الكتاكيت بالقوة أبداً تحت الدجاجة. عندما ترى الدجاجة الحدأة ستقوم هي بإخفاء الكتاكيت تحت جناحيها.

فرحت ربة المنزل بالنصيحة الطيبة وفوراً أعطت الشاب مائة درهم. فرح الشاب أيضاً وقفل (عاد) راجعاً.

وقال في نفسه: وهاأنا قد وجدت ثلاثة من غريبي الأطوار.

رجع إلى موطنه وحالاً تزوج الفتاة.

وجاءت الأخبار عنهما أنهما رزقا بولد واشتريا له معطف فرو قصيرا ولم يصبه جذع الشجرة بأي أذى وعاشوا جميعهم في سعادة وهناء.

 


 

يرويها: د. ناصر الكندري