حكاية الحطاب وشريرة الغاب.. حكاية «شُورالي»
حكاية الحطاب وشريرة الغاب.. حكاية «شُورالي»
ترجمها وشرحها: أشرف أبواليزيد في وسطِ عائلةٍ مسلمةٍ متدينة، رقيقة الحال، ومتواضعة المعيشة، ولد صبيٌّ اسمُه عبدالله طوقاي في السادس والعشرين من أبريل سنة 1886 ميلادية. توفي الأب قبل أن يشعر الابن عبدالله بحنانه، وبدأت عمته تربيه بعد وفاة أمه. ثم تُسلمه العمة العجوز إلى عائلة أخرى، وينتقل إلى العيش مع أسرة ثالثة كحال يتيم بلا أب أو أم. هكذا ينتقل من قرية كوشلافوتش في تتارستان حيث ولد، إلى قرية أتشيل حيث نشأ، وقرية قيرلاي حيث عاش، إلى أن يصل إلى مدينة قازان التي استقر بها. تمضي حياة عبدالله طوقاي، صعبة ومتقلبة. يعاني من البرد حينا، ومن الجوع أحيانا، ومن قسوة مربيه في أغلب الأحيان. لكن الصبي كان قوي العزيمة، فتعلم، ومارس الكتابة، وأصبح صحفيا، وكاتبًا، وصار شاعر أمته القومي، حتى أن يوم مولده اتخذ عيدًا سنويا للشعر في تتارستان. في السنوات الأولى تعلم الصبي عبدالله في المدرسة المتقية اللغات العربية والتركية والروسية وأخذ ينهل من الأعمال الأدبية العالمية العظيمة، وهناك خط أولى قصائده. كانت تتارستان تكتب لغتها بالحروف العربية، كما هي اللغة الفارسية اليوم. بدأ عبد الله طوقاي حياته الصحفية في سنة 1904 بالعمل في صحف «العصر الجديد»، و«فكر»، و«أولكار»، وذاعت شهرته بين الناشرين وهو لم يزل في سنه السابعة عشرة. ثم وضع أفكاره في صحف ساخرة مثل ياشين (التنوير)، ويالـْط يولـْط (السطوع). خلال عمل عبدالله طوقاي الصحفي يتحول الشاعر من طور الصبا إلى مرحلة الشباب، ويولد صوتٌ غنائي يعبر عن النضال والسلام، ويمثل الحرب والحب. أخذ عبدالله طوقاي الحكايات الخرافية، أو الأساطير والمرويات والأغنيات، وحولها إلى أعمال أدبية. حكاية شورالي هي إحدى هذه الحكايات. وقد أخذت شهرتها من إعادة كتابة عبدالله طوقاي لأسطورتها، فأصبحت أسطورة خالدة يحكيها التتاريون لأبنائهم، وعملا شعبيا؛ يرسمه الفنانون، وتعبر عنه أعمال على شاشة السينما وفوق خشبة المسرح وعلى درجات السلم الموسيقي وفي عالم الباليه والأوبرا والتزلج على الجليد! توجدُ قرية قُرْب «قازان» ، نسمعُ فيها ديوكَ القريةِ، عِشتُ بها أيَّامًا لا أنساها، وحَرَثتُ كذلك حقولها، أتذكَّرُ أيضا غاباتٍ، أتذكَّرُ مرجَ الأعشاب الخضْرا، ليست «قِيرَلاي» كبيرة، يعبر فيها ماءُ غدير ، عذبٌ ليس بثلج أبدًا، تكثرُ فيها قرب الماء وبجانبها حباتُ فراولة ما أجمل أرض قد تسحر ! ومرارًا أستلقي أدناها ، وهنا، وهناك، طحالبها، وبراعم أزهار طالعة، وهواء شاف يتبختر ، ألوانٌ زرقاء وصفراء وحمراء وفراشات زاهية الألوان، تبتعدُ فتسلكُ كلَّ طريق، وطيور الجنة، أرسلها الله، لحنٌ يُطربُ وترَ القلبِ، بمكان واحدٍ يجتمعُ الشملُ بلا نقص؛ هي ساحة سيركٍ، وفنون، مثلَ محيطٍِ من غير بداية، تشبه جيش جنكيز خان المحارب، أتذكرُ قصصًا وأساطير وروايات قديمة، عن أسماء منسية، في القصص المنسوبة، وعلى المسرح، نعيد رفع الستار، نتساءلُ: لماذا لم نعد كما كنا؟! وَصَفْتُ الصَّيْفَ، ولكن، هناك الشتاء، ولاحقا ستأتي فتيات صغيرات، ولكنني، لو ذكرتُ كلَّ ما جرى بالمروج، لانطلقتُ في كلَِّ اتجاه، فانتظروا أيها القراء، انتظروا! كيف أنسى عنوان قصتي: فاصبروا لتعرفوا الحكاية أيها القراء، واعذروني لأنني حين أذكرُ «قِيرَلاي» مرة، في هذه الغابة السوداء الكثيفة، فالغابة دارُ الثعلب، والذئبِ، وطبيعيٌّ أن يرى صيادُ الغابةِ السناجب كما تقول الحكايات عن الغابة الداكنة ، البعبع، والجنية، والغولة، لم لا، والسماء تكون كالغابات البارحة، بعد بدايةٍ لطيفةٍ لقصَّتي سأكتبُ عن ليلة مقمرة ساحرة، فوق جوادٍ، خرج القرويُّ الشاب، يحمل فأسا يستخدمها لقطع الأخشاب، بدأ الحطابُ الشابٌ العمل بجدٍّ وروية شقتْ دقَّاتُ الفأس سكونَ الليل، يتصاعد صوت يتردد، هلَّ عليه المشهدُ فتجمَّد: كان الكائن أقبح مخلوق يُشهد، أنف متقوس، كالصنارة، أما الساقان فمعوجتان، عينان تضيئان بنظرات الشر، سيُخيف نهارًا، وما أكثر الأسباب، جسدٌ عار، لكنه كثيف الشعر، وأصابعه الطويلة، النحيفة، شذرًا، حملق كلٌّ في الآخر، دهرًا ، بشجاعته سأل الحطاب النَّابه: قالت: «لا تخشاني يا أيها الحطاب، «لكنني أحذرك، فلستُ ملاكًا أيضا، «لقد فرحتُ حين شاهدتك تأتي كالسهم، «لقد رأيت الحزن في عينيك «كل إصبع من أصابعي الطويلة تعال، أيها الفتى، نتبادل، «سيثور المرحُ بنفسي، ونفسك! «عندي شرطٌ»، قال الحطابُ الشاب: قالت: «أسرع هيا، هيا أقبل! سأل الحطاب، وهو يشير لأضخم أشجار الغاب: «هذا الشق المفتوح بقلب الجذع أترى الآن أيها القارئ الكريم، أدخلت الغولة الحمقاء أصابعها في شق الشجرة وبلمح البصر سحب الحطاب الفأس من الهوة ، صاحت غولتنا صارخة من هول الألم، بدأت تبكي نادمة، تعترف بآثام الأمس، قالت، واعدة، لن أرجع يومًا للشرِّ ونؤمِّن لك، ولأهلك، والبشر، لكن أنقذني، فأصابعي تؤلمني، ويكادُ العقلُ من الألم يضيع، أما الحطابُ فأخذ يلملم أغراضه، لا يزعجه أو يلفته صوت الغولة، سألت وهي تراه سيرحل: ما اسمك؟ قال الحطابُ الشاب: اسمي «العام الماضي»! تتمنى السوء لساجن يدها في قلب الشجر، من ينقذني؟ من ينقذني؟ بعد طلوع الشمس، كل وحوش الغابة جاءوا قالت: أصرخ من أفعال «العام الماضي» فيَّ! لو كان «العامُ الماضي» عذبك ليالي!
|