حكاية من التراث الروسي.. الساحرةُ وأختُ الشمسِ

حكاية من التراث الروسي.. الساحرةُ وأختُ الشمسِ

رسوم: محمود الهندي

في إحدى الممالك منذ زمن غابر عاش سلطان مع زوجته وكانَ لهما ابن ولد أبكم (أخرس). ويبلغ من العمر إثني عشر عاماً. وفي إحدى المرات ذهب ابن السلطان إلى اسطبل الخيل لسماع قصة مسلية من سائسه المحبوب كما تعود دوما. و لكن في هذه المرة سمع ابن السلطان شيئاً آخر قال له السائس:

- سيدي الشاب.. ستلد والدتك عن قريب أختا لك. وهذه الفتاة ستصبح ساحرة رهيبة ومرعبة، وستأكل أباك وأمك وكل الرعية. اذهب إلى والدك واطلب منه أفضل حصان في الاسطبل كما لو أنك سوف تذهب للنزهة، وامض من هنا إلى أبعد مكان تستطيع الهرب اليه، إذا كنت تريد الخلاص من هذه المصيبة.

هرول ابن السلطان إلى أبيه وللمرة الأولى منذ مولده بدأ بالكلام معه، مما أسعد القيصر لدرجة أنه لم يسأل ما هو سبب حاجته إلى الحصان الجيد، وفي التو أمر بتجهيز السرج لأفضل حصان من قطعان الخيل لابنه. ركب ابن السلطان الحصان وانطلق إلى مكان بعيد.

امتطى حصانه فترة طويلة حيث قابل اثنتين من الخياطات العجائز وطلب منهما أن يعيش عندهما. ردت العجوزتان:

- كنا لنسعد بأن نضمك الينا يا ابن السلطان ولكن لم يبق لنا من العمر سوى فترة قصيرة. ها نحن سننتهي من استعمال كل الإبر الموجودة في هذا الصندوق وكذلك سننتهي من الخياطة بما بقي في الصندوق الثاني من خيوط وعندها سنموت!

بدأ ابن اسلطان بالبكاء واستمر في ترحاله لفترة طويلة، وعندما اقترب من قاهر شجر البلوط سأله:

- اسمح لي بالعيش معك!

- كنت لأسعد بأن أضمك إلي يا ابن السلطان ولكن لم يبق لي من العمر سوى فترة قصيرة. ها أنا سأقتلع كل أشجار البلوط هذه من جذورها وعندها سأموت!

بدأ ابن السلطان بالبكاء أكثر من المرة السابقة واستمر في ترحاله إلى مسافة أبعد ولفترة أطول. وعندما اقترب من قاهر الجبال طلب منه أن يعيش معه فكان رده:

- كنت لأسعد بأن أضمك الي يا ابن السلطان ولكن لم يبق لي من العمر سوى فترة قصيرة. انظر إلى هذه الجبال. عندما أنتهي من تحريك الجبل الأخير عندئذ سأموت!

بدأ ابن السلطان يبكي بكاء مراً وأنطلق لمسافة أبعد.

استمر في سفره فترة طويلة جداً حتى وصل أخيراً إلى أخت الشمس التي استقبلته في بيتها وأطعمته وسقته كما لو كان ابنها الغالي. عاش ابن السلطان عند أخت الشمس حياة سعيدة ولكنه كان حزيناً: أراد معرفة ما حدث هناك في منزل والديه فصعد إلى أعلى جبل لينظر إلى قصره ويرى أن كل شيء قد تم التهامه ما عدا حوائط القصر. عندئذ أخذ نفساً وبدأ بالبكاء.

مرة أخرى نظر الشاب إلى قصر والديه وبدأ بالبكاء ثم عاد إلى بيت أخت الشمس التي بادرته (بدأته) بالسؤال:

- ما بالك يا ابن السلطان تبكي اليوم؟ فرد عليها:

- لقد نفخت الريح في عيني.

وعندها منعت أخت الشمس الريح من أن تهب.

ولمرة ثالثة عاد ابن السلطان وهو يبكي. واضطر أن يعترف لأخت الشمس طالبا السماح له ليذهب في زيارة إلى موطنه. لم تسمح له بالذهاب ولكنه بدأ يتوسل لها حتى سمحت له أخيراً بالذهاب إلى وطنه وأعطته في سفره فرشاة ومشطا وتفاحتين سحريتين إذا أكلهما عجوز، مهما بلغ من العمر، فإنه سيصبح شاباً في لحظة!

وصل ابن السلطان إلى قاهر الجبال، وبقي جبل واحد فقط. أخذ الشاب الفرشاة ورماها في أرض مستوية، وفي الحال نبتت على هذه الأرض جبال عالية جداً ذات قمم تستند إلى السماء وبأعداد لا تحصى! ففرح قاهر الجبال وبدأ عمله بكل سعادة من جديد.

ثم انطلق ابن السلطان لمسافة طويلة ولفترة طويلة حتى وصل إلى قاهر شجر البلوط، فرأى أنه بقيت ثلاث شجرات بلوط فقط. أخذ ابن السلطان المشط ورماه في أرض مقفرة، وفي الحال ارتفعت على هذه الأرض غابات بلوط كثيفة فيها كل شجرة بلوط أكثر سماكة من الأخرى! ففرح قاهر شجر البلوط وشكر الشاب وعلى الفور هرع (أسرع) لاقتلاع أشجار البلوط الهرمة والتي تبلغ أعمارها مائة عام.

ثم انطلق ابن السلطان لمسافة طويلة ولفترة طويلة حتى وصل إلى العجوزتين الخياطتين وأعطاهما التفاحتين. وما إن انتهت العجوزتان من أكل التفاحتين حتى أصبحتا شابتين يافعتين في الحال وقامتا بإهداء الشاب منديلاً قرمزيا.

وإذا بدأ الشاب بالتلويح بهذا المنديل فستصبح خلفه بحيرة كبيرة.

وصل ابن السلطان إلى وطنه. هرعت أخته لاستقباله وبدأت تدللـه وتقول:

- اجلس ياأخي واعزف على السنطور بينما سأذهب أنا لتحضير الغداء.

جلس ابن السلطان وبدأ يطنطن على السنطور. خرج فأر صغير من جحره خائفا وقال له بصوت بشري:

- انقذ نفسك يا ابن السلطان، أسرع من هنا! ذهبت أختك لتسنّ أسنانها. خرج الشاب من غرفة الضيوف وركب الحصان عائداً. أما الفأر فكان يركض على أوتار السنطور الذي بدأ بالطنطنة والأخت الشريرة لا تعلم أنه قد رحل. وبعد أن سنّت أسنانها اندفعت إلى غرفة الضيوف لترى أنه لا يوجد أحد عدا الفأر الذي اختفى في جحره مسرعا. غضبت الساحرة وصرّت على أسنانها ثم انطلقت لمطاردة أخيها.

سمع ابن السلطان ضجة، التفت ليرى أن أخته اقتربت من اللحاق به. لوّح الشاب بالمنديل القرمزي فتكونت خلفه بحيرة عميقة وريثما عبرت الساحرة هذه البحيرة سابحة كان ابن السلطان قد ابتعد عنها.

انطلقت الساحرة بسرعة كبيرة... ها هي تقترب منه! خمّن قاهر شجر البلوط أن ابن السلطان يحاول الخلاص من اخته الشريرة فبدأ باقتلاع أشجار البلوط ورميها على الطريق بكميات كبيرة جداً وذلك لعرقلة الساحرة! التي انشغلت بتنظيف الطريق وهي تقرض هذه الأشجار لتشق طريقاً سالكاً وسطها، في حين تمكن ابن السطان من الفرار بعيداً. وانطلقت من جديد في أثره لتلحق به حتى أدركته تقريباً... وكان الشاب سيقع بين يديها! عندئذ رأى قاهر الجبال الساحرة فأمسك بأعلى جبل ونقله إلى الطريق ووضع على هذا الجبل جبلاً آخر. وما ان تسلقت الساحرة وصعدت هذه الجبال حتى فر ابن السلطان وأصبح بعيداً عنها.

عبرت الساحرة هذه الجبال وانطلقت مرة أخرى في أثر أخيها... عندما رأته قالت له:

- الآن لن تفلت مني!

ها هي قريبة جداً منه، ستلحق به! وفي نفس الوقت اقترب الشاب من ربوع أخت الشمس وصاح:

- أيتها الشمس، أيتها الشمس! افتحي الشباك، فتحت أخت الشمس الشباك ووثب ابن السلطان إلى داخله وهو راكب الحصان.

طلبت الساحرة تسليمها رأس أخيها. لكن أخت الشمس لم تنصت إليها ولم تعطها ما طلبت. عندئذ قالت الساحرة:

- ليذهب أخي معي إلى الميزان. إذا كنت أنا أثقل منه فسوف ألتهمه وإذا كان هو أثقل مني فليقتلني!

ذهبا إلى الميزان. فوقف أولاً الأخ عليه ثم جاء دور الساحرة، التي ما إن وضعت قدمها على الميزان، حتى ارتفع ابن السلطان إلى الأعلى وبقوة كبيرة بحيث أنه بلغ السماء إلى ربوع أخت الشمس. أما الساحرة الأفعى فقد ظلت على الأرض.

 


 

تعريب: د. ناصر محمد الكندري