موسوعة العربي الصغير

موسوعة العربي الصغير
        

الورق خزانة تاريخ البشرية

          في الأزمنة القديمة نحت الإنسان رموزًا على الأحجار وعظام الحيوانات، ثم كتب على أوراق وجذوع الأشجار وجلود الحيوانات، وفي بداية القرن الثاني الميلادي، اخترع الصينيون الورق، وظل سرا لم يعرفه العالم إلا بعد مئات السنين.

الورق والكتابة في الحضارات القديمة

          يرتبط تاريخ الورق - يا أصدقائي - بتاريخ الكتابة والحضارة الحديثة، حيث كان إحدى أهم وسائل الاتصال بين الشعوب، فمنذ آلاف السنين والإنسان لديه رغبة في كتابة تاريخه، وأقدم الكتابات التي عثر عليها يرجع تاريخها إلى 30 ألف سنة قبل الميلاد، وكانت أشكالاً هندسية ورسومات للإنسان والحيوانات مرسومة على الحجارة وجدران الكهوف، ومنذ حوالي 25 ألف سنة قبل الميلاد ابتكر السومريون، وكانوا يعيشون في العراق، أول طريقة للكتابة، وعرفت بالكتابة المسمارية، وكانت تنحت على ألواح من الطين. وقبل الميلاد بحوالي 3000 سنة، استخدم قدماء المصريين نبات البردى، وهو نبات مائي ينمو في النيل يشبه الغاب، في صناعة الورق حيث كانت تفرد سيقانه، ويتم لصقها متعامدة بعضها فوق بعض، ثم يكتب عليه بقصبة وحبر مصنوع من الخشب المحروق المخلوط بالصمغ، أما الهنود القدماء فكتبوا على أوراق ولحاء الأشجار، وفي القرن الخامس قبل الميلاد كتب الإنسان على الأخشاب وسيقان نبات البامبو وعلى المعادن.

اختراع الورق

          في بداية القرن الثاني  الميلادي، وفي عهد الإمبراطور الصيني «هو تي» اخترع الكاتب الصيني «تي ساي لون» الورق حيث وضع قطعًا من سيقان نبات البامبو ولحاء أو لب الأشجار في حفرة بها ماء، وعندما ذابت عجنها جيدًا، ثم قام بفردها وضغط عليها بثقل لفترة ثم علقها في الهواء حتى جفّت وأصبحت ورقًا يمكن الكتابة عليه، وبالرغم من خفة وزن أول ورقة صنعها الكاتب «لون» إلا أنها كانت سميكة تشبه ورق الكرتون الذي تصنع منه صناديق الأجهزة الكهربائية، وقد صنّف الكاتب «لون» في المرتبة السابعة في الكتاب الشهير «الخالدون المائة» وبالرغم من أن الورق اخترع في القرن الثاني الميلادي، إلا أن العالم لم يعرفه إلا في القرن السابع، حيث عرفه اليابانيون، وعرف في آسيا الوسطى في منتصف القرن الثامن الميلادي في أعقاب معركة سمرقند بين العرب المسلمين والصينيين، وتم أسر مجموعة من صنّاع الورق الصينيين، كانوا ضمن المحاربين، وفي نهاية القرن الثامن الميلادي في عهد الخليفة هارون الرشيد، افتتح في بغداد أول مصنع لصناعة الورق ثم مصنع آخر في دمشق، وعرفت مصر صناعة الورق في بداية القرن التاسع الميلادي، ثم وصل إلى بلاد المغرب ومنها نقلت أسرار صناعة الورق إلى إنجلترا، ثم إلى باقي بلاد أوربا، وفي القرن السادس عشر الميلادي، أنشئ بإنجلترا أول مصنع لأوراق الكتابة، أي الورق الأبيض الرقيق الذي نكتب عليه الآن.

صناعة الورق

          اشتُقت كلمة Paper من كلمة Papyrus، وهو اسم النبات الذي استخدمه قدماء المصريين في صناعة الورق، أي أوراق البردى، ومنذ أن اخترع الصينيون الورق، ظل يصنع يدويًا حتى عام 1800 عندما اخترع مهندس إنجليزي ماكينة لصناعة الورق، حيث كان يأخذ لب الأشجار، ويضاف إليه الماء حتى يذاب ويعجن، ثم يسحب على هيئة ألواح طويلة، ويجفف آليًا، وفي عام 1850 أدخلت تعديلات على الماكينات، وبدأ الورق يخرج في بكرات كبيرة، ثم بدأ إنتاج الورق الأبيض المخصص للكتابة، أما الماكينات الإلكترونية المستخدمة اليوم، فهي تعمل بالفكرة نفسها، التي بدأت في عام 1800، إلا أن التطورات والابتكارات المستمرة جعلت لها القدرة على إنتاج أنواع عدة من الورق تبلغ حوالي 7000 نوع مختلف من الورق، كما أصبحت أسرع، حيث يبلغ معدل إنتاجها في الدقيقة نحو 500 متر من الورق.

 


 

محسن حافظ