متحف الفن الإسلامي.. أميرة المصري

متحف الفن الإسلامي.. أميرة المصري
        

          طوال تاريخ الإسلام، قدَّم المسلمون أجمل ما عندهم في مختلف الصناعات. وحين تدخل إلى متحف الفن الإسلامي في القاهرة، ستتعرف على أجمل هذه الإبداعات، وهي كنوز قدمتها الحضارة الإسلامية على مدى أكثر من ألف عام.

          قبل أن  نمرُّ من باب المتحف، علينا أن نقرأ عن تاريخ إنشائه في القاهرة. فقبله كانت هناك مكتشفات أثرية تعود للفراعنة الذين حكموا مصر قبل الميلاد، لذلك أنشئ قسم لعرض هذه المكتشفات. وفي عهد الخديوي إسماعيل الذي حكم مصر من عام 1863 إلى 1879 ميلادي تمت الموافقة على إنشاء متحف للفنون العربية، في ساحة مسجد السلطان بيبرس، ولكن المشروع لم يتم حتى عهد الخديوي توفيق، الذي حكم مصر بعد الخديوي إسماعيل، حتى عام 1892، حين أمر وزارة الأوقاف بإنشاء ذلك المتحف. واقترح يوليوس فرانز، وهو عالم سويسري كان رئيسا للقسم الفني بوزارة الأوقاف، أن يبنى المتحف قرب باب الفتوح في القاهرة الفاطمية القديمة، وحول أطلال مسجد الحكيم، وبدأ المتحف بمعرض صغير ضم 111 قطعة أثرية. وفي عام 1887 جاء ماكس هيرتز السويسري عالم الآثار أيضا ليرأس القسم الفني في وزارة الأوقاف، وقد اقترح اسما للمتحف: «دار الآثار العربية»، وصدر في عام 1895 أول دليل للمتحف باللغة الفرنسية وكان يعرض للمجموعة الأثرية التي بلغت آنذاك 1641 قطعة. وقد اقترح هيرتز بناء متحف أكبر وكان فوق ترعة متصلة بنهر النيل تم ردمها في منطقة باب الخلق، حيث يقع المبنى الحالي الذي صممه المهندس ألفونسو مانيسكالو، واكتمل في عام 1902 على الطراز المملوكي المعاصر، وكان المبنى يضم دورًا علويًا للمكتبة، أما المتحف القديم، فقد تم هدمه في عام 1970.

          بدأت قطع المتحف تتزايد عامًا بعد آخر، وكان مجيء عميد كلية الفنون الجميلة بجامعة القاهرة الدكتور زكي حسن ليكون أول مدير مصري للمتحف في عام 1952 علامة على حدوث تغييرات كثيرة، منها أنه أصدر أول دليل باللغة العربية للمتحف عن مقتنياته التي بلغت 16524 قطعة أثرية، 

          ثم إنه جعل اسم المتحف: دار الآثار الإسلامية ليكــــون أكـثر شمولا، حيث إن الإسلام انتشر خارج الأقطار العربية، ويضم المتحف آثارًا من بلاد فارس والهند وغيرهما.

          وبين عامي 1960 و2003 زادت عدد القطع المسجلة في دار الآثار الإسلامية إلى أكثر من 102 ألف قطعة فنية. وقد بدأ عام 1994 نظام جديد لتوثيق القطع الموجــودة بالمتحف، وتم إنجاز توثيق كل القطع في سنة 2000، وما جاء بعد ذلك يتم توثيقه يوميا. 

الأمويون

          لن تطول جولتنا في المتحف لأكثر من سبب، أولها أن الجولة تحتاج إلى أيام، وأن الصفحات والصور التي يمكن أن نعرضها قليلة، لذلك سأكتفي بالمرور على العصور الإسلامية، وأختار من كل فترة قطعة أبدعتها يدا الفنان المسلم.

          ففي فتــرة حكـــم الأمـويين والعباسيين التي استمرت بين عامي 658 و1258م، أختار إبريقا من معدن البرونز، يصيح على جانبه ديكٌ، يخرج منه الماء، وقد عثر عليه في مدينة أبو صير المصرية، ويعود للقرن الثامن الميلادي (العصر الأموي)، وكان يستخدم في صب الماء للوضوء قبل الذهاب إلى الصلاة. 

العصر الفاطمي

          استمر الحكم الفاطمي لمصر في الفترة من 969 إلى 1171م، وأختار من هذا العصر أسدًا يحمل الرقم 4305 في بطاقة التوثيق الخاصة به، وهو يعود للقرن الثاني عشر الميلادي، ومصنوع من البرونز أيضا.

          أما استخدامه، فهو يعمل كنافورة لصب الماء (من فمه أيضا)، ويحكي المؤرخون أن هناك رأس أسد كان يوضع عند مقياس النيل في القاهرة الذي يسجل ارتفاع منسوب المياه في النهر. وكثيرًا ما رأينا نوافـــير لا تزال قائمة يؤدي فيها الأسد المجوف دوره في رش الماء، مثل نافورة قصر الحمراء في مدينة غرناطة الإسبانية. 

الأيوبيون

          جاء الأيوبيون إلى مصر في عام 1171م، وجاءت معهم من آسيا طرق جديدة في الصناعات، ومنها صناعة الخزف الذي يزين بطبقة لامعة.

          ولأنني أخترت الديك والأسد، فقد اخترت أيضا  قاع طبق يحمل صورة ثلاثة أرانب ملونة، تعود لعام 1200 ميلادي، وربما يذكرنا هذا التلوين بما وجد في كهوف دون هوانج في غرب الصين من خزفيات، ونعرف شهرة الصين في صناعة الخزف والبورسلين والصيني، لذلك من الممكن أن تكون طريقة الصناعة قد انتقلت إلى سورية ومن بعدها إلى مصر.

المماليك

          من عام 1382 إلى عام 1517م حكم مصر عائلات المماليك، الذين جاءوا من وسط آسيا. وقد اخترت من هذه الفترة أن نطالع معًا زخرفة أنيقة لإحدى صفحات القرآن الكريم، وهي صفحة العنوان. وتعود فترة رسمها إلى القرن الخامس عشر، وهي مكتوبة بخط الثلث ـ أحد أشكال الخط العربي ـ وتضم زخرفتها دوائر من الزهور باللون الأبيض على أرضية من الذهب. 

العصر العثماني

          سأختتم زيارتي القصيرة لدار الآثار الإسلامية بأن أختار قطعًا من الفن العثماني، وقد  بدأ حكم العثمانيون مصر منذ عام 1517 ميلادي .

          إن هذه القطع هنا هي لقوارير (زجاجات) تستخدم في رش العطور، وتعود للقرن التاسع عشر، وقد صنعت الأولى من النحاس المزين باللؤلؤ والأحجار الحمراء الكريمة، وصنعت الثانية من الزجاج المزخرف بأشكال النباتات الذهبية.

          إنها رشة عطر في نهاية جولتنا في متحف الفن الإسلامي، وربما كانت لنا عودة مجددة لزيارته، والاستمتاع بما قدمه صناع الحضارة الإسلامية.

 


 

زارته: أميرة المصري   

 




واجهة متحف الفن الإسلامي بالقاهرة





مرشة عطر من النحاس المزين باللؤلؤ والأحجار الكريمة





قاع إناء مرسوم به صور 3 أرانب ملونة من الخزف الذي يحمل طبقة زجاجية لامعة





صفحة عنوان كتاب الله، القرآن الكريم، مزينة بالزهور البيضاء فوق ماء الذهب





قارورة عطر من الزجاج المزخرف بأشكال النباتات الذهبية





أسد من البرونز يستخدم في سكب الماء من فمه أمام النافورات المائية