الأسدُ يقول الحكمةَ!

الأسدُ يقول الحكمةَ!
        

رسوم: صلاح بيصار

          - هل أنتَ صديقي؟

          قالها ياسر لعمرو وهما يلعبان معًا في فناءِ المدرسةِ.

          ردّ عمرو في ثقةٍ:

          - طبعًا، وبالتأكيدِ أنتَ أعزَّ أصدقائي.

          سألهُ ياسر:

          - هل تحبّني؟

          أجاب عمرو:

          - أحبّك مثل أخي!

          - وهل تخاف عليَّ!

          - أخاف عليكَ وأفديكَ بحياتي.

          مرّت الأيامُ والشهورُ، وذهبَ ياسر وعمرو ضمنَ فريق الكشافةِ للتخييمِ في إحدى الغاباتِ القريبةِ من المدينةِ، وأثناء تجوالهما، سمعا صوتًا يشبهُ الزئيرَ، وسرعان ما اكتشفا أنه أحدَ الأسودِ على مسافةٍ قريبةٍ منهما. حاول ياسر أن يتحدّث إلى صديقِهِ عمرو للبحثِ عن طريقةٍ للنجاةِ، ولكن عمرو لم يلتفتْ إلى ياسر، ولم يرد عليه لأنه أسرعَ بالهربِ إلى أقربِ شجرةٍ، وصعدَ فوقَها، وفي الوقتِ نفسِهِ، كان الأسدُ قد اقتربَ على بعد خطواتٍ من ياسر الذي تعثّرَ ساقطًا على الأرضِ وهو يرتعشُ فزعًا، ومن شدّةِ خوفِهِ، فشل في التحرّك للهربِ، وعندما حاول أن يزحفِ مبتعدًا أحسّ بكل جسدِهِ وكأنه تجمّدَ، فأغمض عينيه مستسلمًا لما قد يحدثُ عندما يصبحُ فريسةً بين فكّي الأسدِ.

          كان ياسر يشعرُ بوقعِ خطواتِ الأسدِ، وبدأت اللحظاتُ تمرُّ ثقيلةً، وبرائحةٍ تقتربُ منه مع أنفاسٍ لاهثةٍ. فتح عينيه، كان الأسدُ يلاطفَه وهو يمرُّ بإحدى قدميهِ بلطفٍ على رقبتِهِ، وتوقفَ لحظةً عن الحركةِ، وأصدرَ زئيرًا مفاجئًا، ثم هدأ واقتربَ من وجهِ ياسرَ، وهو يمسحـه لحسًا بلسانِهِ وكأنه يمسحُ دموعَه التي كانت تتساقطُ دون أن يشعرَ، ودار حولَه ثلاثَ مراتٍ ثم أوقعَه أرضًا، واقتربَ بفمِهِ من أذنِهِ وكأنه يقول له أحدَ الأسرارِ، وعاد مرةً أخرى إلى مداعبتِهِ، وفجأةً جرّه من ملابسِهِ ووضعه تحت الشجرةِ التي اختبأ فوقَها صديقه عمرو وهو يزأرُ غاضبًا، محرّكًا رأسَه إلى أعلى الشجرةِ، وتحرّك مبتعدًا ببطءٍ، بينما كان ياسر يتحسّسُ جسمَه غير مصدقٍ أنه نجا.

          مع اختفاءِ الأسدِ، أسرع عمرو بالنزولِ من فوقِ الشجرةِ، وهو يسأل ياسرَ بلهفةٍ، مستفسرًا:

          - لماذا لم يفترسْك الأسدُ؟

          ردّ ياسر شاردًا:

          - لا أعرف!!

          سأله عمرو:

          - لقد رأيته يقتربُ بفمِهِ من أذنك كأنه يحدّثك بشيءٍ ما، فماذا قال لك؟

          أجابَ ياسرٌ في هدوءٍ:

          - سألني: «هل الشخص الذي تركَكَ وهربَ فوقَ الشجرةِ صديقُكَ؟».

          وطبعًا من شدّةِ خوفي لم أنطق. فأكملَ الأسدٌ في لهجةٍ ساخرةٍ:

          «في أوقاتِ الشدةِ يظهرُ الناسُ على حقيقتِهِم!»... ثم طلبَ مني أن أتذكّر هذه الحكمة: «اختر الصديق... قبل الطريق!».

 


 

مجدي نجيب