أسماك تُغنِّي ضد الحرب.. د. محمد المخزنجي

أسماك تُغنِّي ضد الحرب.. د. محمد المخزنجي
        

          اشتعل جنون الحرب العالمية ليحرق العالم، وسنَّ المشاركون في هذه الحرب كل أسنانهم العسكرية ليلتهم كل منهم الآخر ، طائرات تلقي القنابل على المدن ، ومدافع تقصف البشر والشجر، ومدرعات تخرِّب الدروب وتهرس العشب، وغواصات تقصف الساحل والأعماق، ودماء ملايين الناس تسيل هدرا. ولأن الغواصات كانت سلاحا جديدا فتاكا في هذه الحرب، يختفي تحت الماء ويسدد ضرباته القاصمة للسفن وما عليها ، فقد بذل علماء الحرب أقصى جهودهم لكشفها وقصفها، ولأجل هذا الغرض صنعوا مسامع مائية «هيدروفونات» وخبأوها في مياه خليج «تشيسابك» الذي تقع العاصمة الأمريكية واشنطن قريبة منه، وهذه الهيدروفونات تم اختراعها في الحرب العالمية الأولى، وتم تطويرها في الحرب العالمية الثانية، لتلتقط ضوضاء  محركات الغواصات المختفية تحت الماء، وتحذر القوات البحرية عند اقترابها، وتُسهِّل القضاء عليها عند الضرورة.

          مضت أيام طويلة من أيام الحرب دون أن تلتقط الهيدروفونات أي صوت لضوضاء الغواصات المعادية، لكن في أحد أيام الربيع، وبعد أن غابت الشمس في الأفق البعيد، التقطت الهيدروفونات أصواتا مريبة ، أشبه بضربات مطارق معدنية وقرقعة عدد كبير من المثاقب. وعلى الفور انطلقت إشارات الإنذار ، وتأهبت المدافع البرية والبحرية لإطلاق قذائفها على «العدو»، لكن هذا «العدو» لم يظهر. وتكررت هذه الظاهرة ، ضوضاء مطارق ومثاقب تحت الماء ، وإشارات إنذار ، ومدافع تتأهب ، ولا يظهر العدو. وقرر القادة العسكريون ألا ينتظروا ظهور «العدو»، بل يباغتوه بمجرد أن تلتقط الهيدروفونات هذه الضوضاء، لكن الهجوم المباغت لم يؤد للقبض على أي غواصات حربية معادية، وكانت المفاجأة هي اكتشاف أن مصدر هذه الضوضاء لم يكن إلا أسرابًا هائلة من ملايين الأسماك الطبالة «درم فيش»، تتجمع سابحة في سلام بالقرب من خليج «تشيسابك»، دون أن تعرف بأمر الحرب المشتعلة بين البشر.

          وقامت البحرية الأمريكية بالقبض على بعض هذه الأسماك، لاستجوابها، حتى تتأكد أنها المسئولة حقا عن الضوضاء التي التقطتها الهيدروفونات.

          تم إيداع الأسماك الطبالة في أحواض زجاجية مخصصة لدراسة الكائنات البحرية ، وجرى تسجيل وتحليل الأصوات التي تصدرها هذه الأسماك ، وكانت نتيجة الدراسة تؤكد أن الأصوات التي التقطتها المسامع المائية الحربية، لم تكن غير أصوات هذه الأسماك عندما تلعب، وتغني!

 


 

محمد المخزنجي