يبتسم في نومه

يبتسم في نومه
        

رسوم: أحمد فايد

          ذات صباح، كان البستانيّ يقطفُ الأزهارَ من حديقةِ القصرِ، ليعدّ منها باقة للإمبراطور كعادتهِ كلّ يومٍ. لم يكنْ سعيدًا، لأنّ حفيده على الجبهة، ولأنّ الحربَ قد تشتعلُ اليوم.

          أعدّ البستانيّ الباقة، ثم تسلّلَ ووضعها في الإناء الذهبي، الإناء المنقوش بصورِ حوريّات يلعبن في الماء، والذي تقع عليهِ عينا الإمبراطور عند استيقاظه من النومِ.

          وما إن فعل البستانيّ ذلك حتى خرجَ على أطرافِ أصابعه، وهو يقول في نفسهِ: الزهور الجميلة تجلبُ السرور.

          الذي يرى الإمبراطور وهو يتقلب في نومهِ بهذه العصبيةِ، أو يرى وجهه وهوَ يتلوّى من الغضبِ والفزعِ، كان يدركُ على الفورِ أنه يعاني من أحلامٍ وكوابيسَ مزعجة، حتى أن الإمبراطور نهض فجأة وهو يصيح: لا. لا.

          كان يحلم أنه يسقط من أعلى الجبلِ، والتماسيح في النهرِ بانتظاره!!

          جلسَ الإمبراطور في سريرهِ وهو يلهث، وراحَ يتأملُ المكان بعينينِ خائفتين، ثم أخذَ يشرب، وما إن انتهى حتى سمع الصوت: هنيئًا يا مولاي.. أسعد الله صباحُكَ.

          ذهل الإمبراطور، تلفّت هنا وهناك، باحثًا عن مصدر الصوتِ دون جدوى، فلم يكن في الحجرة غيرُه!!

          قال في نفسه: لابد أنها أوهامٌ.

          وقام نشيطًا، سعيدًا لأن كل ما جرى كان أحلامًا وها هو سليمٌ معافى.

          ذهب كعادتهِ في الصباحِ إلى إناء الزهورِ، استنشق عبيرها الصباحيّ، وما كاد يلتفتُ عائدًا حتى سمع الصوت: حمدًا لله على سلامتك يا مولاي.

          عاد مندهشًا إلى الإناء، ووقعت عيناه على زهرةٍ غريبةٍ، لم ير مثلها من قبل، أعجبهُ لونُها، الذي لدهشته أخذ يتغير أمام عينيهِ من الأحمر إلى الأزرق، ومن الأزرق إلى الأصفر، ومن الأصفر إلى الأخضر!!

          مدّ يدهُ ولمسَ ورق الزهرة فصاحت: أنت تؤذيني يا مولاي.

          سحب يده بسرعةٍ، وجلسَ أمامَها يراقب تحولاتها غير مصدّق لما يحدث أمام عينيه.

          دبّت الحركةُ في القصر، جاء كبيرُ الخدم، جاء المستشارون، جاء الوزيرُ الأول، جاء قائدُ الجيش، وظل الإمبراطورُ جالسًا أمام الزهرة لا يكلم أحدًا، مشغولاً بها عن الجميع.

          قال كبير الخدم: هذه ثياب الحرب يا مولاي.

          قال الوزير الأول: مجلس الوزراء ينتظر تشريفَكم يا مولاي.

          قال قائد الجيش: مجلسُ الحرب في انتظار تعليماتكم يامولاي.

          انتظروا طويلاً ولم يتحرك الإمبراطور.

          خرج كبيرُ الخدم، وخرج الوزيرُ الأول، وخرج قائدُ الجيش، خرج الجميع وهم لا يعرفون ماذا حدث، أو لماذا يجلس الإمبراطورُ صامتًا هكذا أمام باقةٍ من الزهور.

 


 

فريد أبو سعدة