المهراجا

المهراجا
        

          عاش في بلاد الهند مهراجا غني، يملك قصرًا كبيرًا فخمًا تحيطه المزارعُ الشاسعةُ، ورغم غنى هذا المهراجا إلا أنه كان شديدَ البخلِ، قاسيَ الطبع، وأكثر ما كان يكره هو رؤية الفقراء يقفونَ على بابِ قصره يطلبون الصدقةَ والإحسان، كانت زوجةُ المهراجا امرأةً طيبة القلب، رقيقةَ العاطفةِ، وكانت تتصدق سرا على الفقراء حتى لا تثير غضبَ زوجها، وكان ما يحزن قلب تلك المرأة أنها لم ترزقَ بأولادٍ يملأون حياتها سعادةً وبهجة، وفي إحدى الليالي تضرعت للإله، ونذرت إن هو رزقها طفلاً فستتصدق بألف روبيةٍ للفقراء تضعها في معبد البلدة.

          شاء الإله ألا يخيب دعاء تلك المرأة الطيبة، فحملت بعد فترة ووضعت ولدًا، وأرادت أن تفي بوعدها فأخبرت زوجَها عن نذرها الذي نذرته، فتضايق لذلك كثيرًا واتهمها بالغباء إذ نذرت مثل هذا المبلغِ الكبير للفقراء، لكن الزوجةَ أصرت عليه أن يفيا بالنذر حتى لا يغضبَ منهما الإله ويفقدهما طفلهما، خضع  المهراجا البخيلُ لتوسلات زوجته وأعطاها كيسًا بألف روبية، وكيسًا آخر ببضع روبيات حتى يستعينا به على طريق السفر للمعبد، استعد المهراجا وزوجتُه للسفر وحالما خرجا من القصر فوجئا بفقير يقف على الباب يطلب الصدقةَ، تضايق المهراجا وطرد الفقير وطلب إليه ألا يعود للتسول عند باب قصره، ودون أن يشعرَ المهراجا ألقت الزوجةُ ببعض الروبيات القليلة من مال السفر إلى الفقير الذي شع وجهه بالفرح والامتنان لتلك السيدة الطيبة.

          سار المهراجا وزوجتُه إلى المعبد وفي الطريق كانت الزوجة تلقي بالروبيات للفقراء الذين يعبرون الطريقَ أو يجلسون ممدودة أيديهم تطلب الإحسانَ، شعر المهراجا بالجوعِ فطلب إلى زوجته أن تستخرج بعض الروبيات لشراء الطعام، فأجابته بأنه لم يبق معها شيء غير كيس النذر ولا تستطيع أن تصرف منه شيئًا لأنه للمعبد.

          دهش المهراجا وسأل: ولكن أين المالُ الذي استبقيته معك للسفر؟!

          وردت المرأة: لقد تصدقت به، على طول الطريق كنت ألقي بالروبيات إلى الفقراء.

          استشاط المهراجا غضبًا واتهم زوجته بالغباء وسوء التصرف، وطلب إليها أن تعطيه بعض الروبيات من كيس النذر ليشتريا طعامًا، لكنها رفضت قائلة: بعد قليل سنصل المعبد وسنضع الكيسَ هناك ثم نعود لمنزلنا، لن نموت جوعًا في الطريق إنها بضع ساعات فقط، ما رأيك أن نصومها شكرا للإله.

          ضرب المهراجا كفًا بكف وأنذر زوجته بأن عقابها سيكون شديدًا عندما يعودان للقصر.

          أخيرا وصلا المعبد، صلت المرأة وسلمت كيس المال للقائم على المعبد وطلبت إليه توزيعه على الفقراء، شكر الرجل إحسانها وتمنى لها عودة سالمة إلى منزلها.

          عاد المهراجا وزوجته يسيران نحو منزلهما، ووصلاه على مشارف المساء، وعندما اقتربا دهشا لتجمع الناس أمام قصرهما وللجلبة الشديدة التي كانوا يحدثوها، خفق قلبُ المرأة وأسرعت إلى القصر تطمئن على ولدها حيث استبقته مع الخادمة، وعندما رأته التقطته من يدي الخادمة وضمته إلى صدرها بحنان، سأل المهراجا الناسَ عن سبب اجتماعهم وجلبتهم، فانبرى من بينهم الرجلُ الفقيرُ الذي انتهره المهراجا في الصباح قبل سفره إلى المعبد، قدم وردة إلى زوجة المهراجا، وقال: أحسنت إلي في هذا الصباح يا سيدتي، أحببت أن أشكر فضلك فعدت عصرًا وأنا أحمل هذه الوردة لأقدمها لك، وعندما اقتربت لمحت لصوصا يتسللون لسرقة القصر، وزادوا بمحاولتهم خطف الخادمة والطفل، فجريت نحو الناس أصيح بهم للقبض على اللصوص، ولقد تمكنا منهم وهم الآن مقيدون في إحدى الغرف. شعر المهراجا بالندم لسوء تعامله مع الناس وشعر بفضل وشهامة هذا الفقير الذي لم يتذكر الإساءة وتذكر الإحسان، فدافع عن قصره وطفله وأمواله، اقترب المهراجا من الفقير وشكره وأعلمه أنه منذ هذا اليوم سيعينه حارسًا للقصر، ثم أعلن أنه سيقيم مأدبة عشاء كبيرة لكل أهل البلدة امتنانًا وشكرًا لما قاموا به.

 


 

لطيفة بطي