وحيد القرن.. أغرب نجوم الكون.. رءوف وصفي

وحيد القرن.. أغرب نجوم الكون.. رءوف وصفي
        

          إذا تطلعت إلى السماء في ليلة صافية، بدا لك ما يشبه بحرًا عظيمًا من الفضة، يجري خلال الفضاء متألقًا. وإذا دققت النظر لوجدته يتكون من نقط ضوئية دقيقة، بالغة الصغر والخفوت، بحيث لا يمكنك تمييزها كنجوم مستقلة، وهذا البحر الكوني الهائل هو ما يعرف بمجرة «الطريق اللبني».

جزر الكون... العظمى

          ومجرة «الطريق اللبني»، هي التي تحتوي شمسنا وكواكبها وأقمارها، بالإضافة إلى حوالي مائة بليون (ألف مليون) نجم آخر. والمجرات هي وحدات الكون العظمى، وتنتشر بجلال في أنحاء متفرقة من الفضاء الكوني، ومن ثم يطلق عليها «الجزر الكونية». وكما توجد الأشجار والنباتات والزهور والصخور وغيرها، في الجزر الأرضية. كذلك تتوافر النجوم والكواكب والشهب والمذنبات والغبار الكوني والغازات وغيرها، في الجزر الكونية.

          والنجوم - أهم سكان المجرات - أجسام فضائية كروية أو شبه كروية الشكل، متوهجة، شديدة الحرارة، ولهذا فهي مشعة للضوء وجميع إشعاعات الطيف الكهرومغنطيسي، وتتكون النجوم غالبًا من غازيّ الهيدروجين والهيليوم. وعندما يصدر منها الضوء يصل إلينا، فنراها لامعة أثناء ليل كوكب الأرض، وعندما يرصد علماء الفلك هذه النجوم لدراستها، فإنهم يجدون البعض منها غريب الأطوار، لا يشبه النجوم الأخرى، وكأنه جاء من كون آخر!

          ولعل أغرب نجم في كوننا، هو النجم «م 838»، الذي تتغير شدة ضياؤه كل فترة، ويبعد عنا بنحو عشرين ألف سنة ضوئية. والسنة الضوئية مقياس كوني، يمثل المسافة التي يقطعها الضوء في السنة، مع العلم بأن سرعته في الثانية الواحدة 300.000 كيلومتر. ويقع النجم «م 838» في مجموعة نجمية (كوكبة) عند أطراف مجرتنا، يطلق عليها «وحيد القرن»، لأنها تتخذ في الفضاء شكل هذا الحيوان الضخم.

          وما حدث أنه في 10 يناير 2002، تم رصد إضاءة شديدة لنجم كان مجهولاً من قبل، في كوكبة «وحيد القرن»، وأطلق عليه «وحيد القرن م 838»، أي النجم متغير الضياء رقم 838 بكوكبة وحيد القرن. ووصلت شدة إضاءة هذا النجم إلى أقصى قدر لها في 6 فبراير 2002، حيث بدأت شدة إضاءته تخفت بسرعة. ولكن في أوائل مارس من العام نفسه، بدأ النجم يشتد ضياؤه من جديد، بشكل لا يشبه أي شيء تمت رؤيته من قبل. وقد وصلت شدة إضاءة النجم إلى حوالي مليون مرة قدر إضاءة الشمس! مما يعني أن النجم «وحيد القرن م 838»، كان وقت إضاءته القصوى، واحدًا من أكثر نجوم مجرة «الطريق اللبني» ضياء.

          وقد حدث هذا الضياء الجبار، بسبب التمدد السريع للطبقات الخارجية للنجم، ولأن قوانين الفيزياء، تنص على أن الغاز المتمدد يبرد، لذا فإن النجم أصبح باردًا للغاية، ولونه أحمر داكنًا، وكأنه عين عملاقة داخل السحب الكونية التي تحيط به، والتي نشأت من الانفجارات المتتالية لهذا النجم الغريب.

صدى الضوء... ووميض الهليوم

          تسبب النجوم المتفجّرة ظاهرة تسمى «صدى الضوء». فالضوء الذي ينطلق مباشرة من النجم يصل إلينا أولاً. أما إذا كانت هناك سحب من المادة المنتشرة بين النجوم، والتي تفصل بين النجم والراصد، فإن بعض الضوء النجمي ينعكس من تلك السحب. ويمكن أن نشبّه ذلك بعالم استكشاف الكهوف، الذي يلتقط صورًا خاطفة (فلاش) لجدران كهف مجهول.

          وبسبب طول المسار، فإن الضوء المنعكس من السحب، يصل إلينا متأخرًا بعد الضوء المنطلق من النجم مباشرة إلينا بأشهر عدة، مسببًا رؤية حلقات ضوئية متمددة حول النجم المنفجر، ذات ألوان مختلفة تعكس التغيرات التي تطرأ على لون النجم أثناء انفجاره، وبالإضافة إلى ذلك، يبدو أن تلك الحلقات الملونة تتحرك بسرعة مذهلة، تقترب من سرعة الضوء.

          وفي حال النجم «وحيد القرن م 838»، فإن صدى الضوء الناتج قوي جدًا، بشكل لم يحدث من قبل لأي نجم آخر تم رصده، وقد تم تسجيل هذا الصدى الضوئي في صور التقطتها كاميرا متطورة بالتلسكوب الفضائي «هابل». ولكن ليس من الواضح إذا كانت السحب المحيطة بالنجم مرتبطة به بالذات أم لا، ولعلها عبارة عن طبقات من الغبار الكوني، تكوّنت من انفجارات سابقة. ويعتقد بعض العلماء، أن ضياء النجم «وحيد القرن م 838» ناتج عن ظاهرة تسمى «وميض الهيليوم»، تسألني عنها فأجيبك: تعلم أن «الهيليوم» هو أحد مكونات النجوم، ويحدث أحيانًا - لسبب مازال مجهولاً - أن يحترق فجأة قلب نجم خفيف الوزن، وهو يحتضر محدثًا انفجارًا هائلاً، يمزق أوصال النجم، لكنه لا يدمره تمامًا، ويصدر عنه أثناء ذلك ضياء جبار، ينير الفضاء من حوله لمسافة سنوات ضوئية عدة. وربما يكون انفجار النجم «وحيد القرن م 838»، حدث بسبب «انفجار اندماجي»، أي اندماج نجمين في طور نشأتهما. ويؤيد هذا النموذج أن كوكبة «وحيد القرن» مازالت في مرحلة الشباب، ومن ثم تكون نجومها غير مستقرة مما يجعل مثل هذا الاندماج ممكنًا. وقد أثبتت عمليات المحاكاة بواسطة الحاسوب (الكمبيوتر)، أن نموذج الاندماج هذا معقول ويمكن تصديقه.

          غير أن الاحتمال الأكثر غرابة، هو أن النجم «وحيد القرن م 838»ابتلع كواكبه العملاقة التي تدور حوله! فعندما يدخل أحد الكواكب في «الغلاف الجوي» للنجم، يبطئ من سرعة الكوكب. وإذا تغلغل الكوكب في أعماق الجو النجمي، فإن الاحتكاك يصبح أقوى، وتنطلق الطاقة الحركية - التي تنشأ عن حركة الكواكب - داخل النجم بسرعة أكبر. وعند ذلك ترتفع درجة حرارة غلاف النجم بشكل هائل، مما يؤدي إلى سرعة الانفجار والإطاحة بطبقاته الخارجية.

          وربما تتساءل: هل هذا ما حدث للنجم «وحيد القرن م 838»؟ وأجيبك: كلا.. فإن هذا النجم لم يطح بطبقاته الخارجية، وبدلاً من ذلك فقد زاد حجمه بشكل هائل، وهبطت درجة حرارة سطحه إلى حد كبير. وهذا التمدد الجبار وعدم فقد طبقاته الخارجية، هو أمر بالغ الغرابة، ويخالف تمامًا أي انفجار معتاد لنجم آخر! ولسنوات عدة قادمة، سوف يستمر النجم «وحيد القرن م 838» في التمدد، لأن الضوء سيصل إلينا من أجزاء أبعد من السحب الكونية القريبة من النجم، بفعل صدى الضوء، أما الفراغات السوداء حول هذا النجم الأحمر، فهي مناطق من الفضاء تتسم بوجود فجوات في الغبار الكوني الذي يحيط بالنجم.

          وأخيرًا عندما يبدأ الضوء من مؤخرة السحب الكونية في الوصول إلينا، فإن صدى الضوء سوف يعطينا وهمًا بأن النجم يتقلص، وفي آخر الأمر سوف يختفي النجم «وحيد القرن م 838»، في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وهكذا يتوارى عن الأنظار أغرب نجم في الكون!

 


 

رءوف وصفي