النسَّاج يكشف النقَّار.. د. محمد المخزنجي

النسَّاج يكشف النقَّار.. د. محمد المخزنجي
        

          كان العصفور النساج المقبل على الزواج  يبني عشه في أعلى فرع من أغصان شجرة السدر الكبيرة، وبينما هو منهمك في جلب أفضل وأنظف أعواد القش التي ينسج منها عشه الذي يأخذ شكل كيس كبير  مدور، راح يراقب خنزيرًا بريًا يقف على رأسه طائر من الطيور المعروفة باسم «نقار الثور». وهذه الطيور ذات العيون البارزة واللون البرتقالي، لا يرتبط عملها بالثور وحده، كما يوحي اسمها، لكنها ترتبط بأنواع عدة من الحيوانات الكبيرة، سواء كانت أبقارًا برية أو جواميس سوداء أو أفراس نهر، وهي أكثر ارتباطًا بالخنزير البري الإفريقي مخيف الشكل سيئ الطباع. وعملها يتلخص في أنها تنظف الخنزير مما علق بأذنيه وثنايا جسمه من حشرات القراد التي تتطفل على دمه، ومقابل هذا العمل تتغذى هذه الطيور على القراد الذي يكون مملوءًا بالدم الذي امتصه من خلال جلد الخنزير البري. فالنقار مزود بمنقار مبطط قليلاً لكي يجرف الحشرات الملتصقة بجلد الحيوان، يكشطها ثم يبتلعها، وهو بهذا الشكل يعمل ويأكل. ولأنه يريح الحيوان من الحشرات التي تمص دمه، والتي لا يستطيع إزالتها بنفسه، فإنه يستسلم لنقرات الطائر، ويغمض عينيه كأنه ينام. لكن عيني العصفور النساج كانتا مفتوحتين تراقبان المشهد من فوق، فمهارته تتيح له أن يعمل في نسج عشه ببراعة، ويتمكن من مراقبة ما يحيط به في الوقت نفسه. ولفت نظر العصفور تصرف غريب يأتي به الطائر النقار، فهو لا يكتفي بالتهام الحشرات ماصة الدم التي يزيلها عن جلد الخنزير النائم، بل يبحث عن الجروح والخدوش في جسم الخنزير ويأخذ في نقرها، يوسعها ويفتحها بنقرات خفيفة متتالية مثل خطوات اللص المتساحب في الظلام، وعندما تسيل الدماء من الجروح والخدوش يسارع النقار بتجريفها وابتلاعها. إنه لا يكتفي بالدم الذي أخذه داخل القرادات التي أزالها عن الحيوان، بل يسرق دمًا طازجًا من دون أن يدري به الخنزير. ولم يسترح العصفور النساج لهذا التصرف من نقار الثور، فقرر أن ينبّه الخنزير المخدوع. ترك العمل في نسج عشه للحظة ، وهبط مرفرفًا بجناحيه بقوة قرب رأس الخنزير الذي فتح عينيه بانزعاج. وبدلاً من أن يلمح الخنزير تحذير العصفور النساج ويكون شاكرًا له، أصدر صوتًا مفزعًا جعل العصفور يطير عاليًا ويعود إلى العش الذي يبنيه. وواصل الطائر النقار ذو العينين البارزتين الطمّاعتين عمله واختلاساته، بينما عاد الخنزير إلى النوم.

 


 

محمد المخزنجي