وصية القطّة.. بسمة الخطيب

وصية القطّة.. بسمة الخطيب
        

رسوم: فاطمة الحاج

          تعيش ورد في منزلٍ جميلٍ، تحيطه حديقةٌ رائعة مملوءة بنباتات خلابة وزهور من أجمل الأنواع، ورد جوري وياسمين وغاردينيا وبنفسج وأقحوان...

          وفي الحديقة تعيش فراشاتٌ ونحلات وعصافير وقطط.

          تقضي ورد أوقاتَ فراغها في الحديقة، تسقي الزهور وتطعم العصافير وتهتمّ بالقطط.

          ذات يوم لاحظت ورد غيابَ القطّة الرمادية التي تأتي بين يوم وآخر لتلعب في الحديقة. بحثت عنها في كلّ مكان، لكنها لم تعثر عليها.

          بعد أيام وبينما كانت ورد تدرس في الحديقة ظهرت القطة الرمادية.

          راحت القطة تموء بإلحاح وكأنها تنادي وردًا.

          «مياوو مياوو...».

          فرحت ورد بعودة القطة الرمادية ولكنها لاحظت أنها على غير عادتها. اقتربت منها، فمشت القطة نحو الخارج، وكأنها تدعو ورداً إلى اللحاق بها.

          لم تفهم ورد ما تريده القطة فعاودت درسها. لكن القطة عادت واقتربت منها وراحت تموء من دون توقّف.

          لحقــــــت ورد بالقطـــــــــة ترافقهــــــــــا بعض الفـــــراشات والعصافير.

          خرجت القطة من الحديقة ومشت من زقاق الى آخر، حتى وصلت إلى شجرة مشمش مزهرة، وهناك كانت المفاجأة في انتظار ورد.

          وجدت ورد أربعة قطط بيضاء اللون حديثة الولادة.

          سارعت القطط نحو أمّها تعانقها وتحتمي بها، لكن القطّة الأمّ جلست متعبة وراحت تلهث، ولم يبد عليها أبدًا أنها سعيدة.

          قالت ورد للقطة: «هكذا إذن، أتيت بي إلى هنا كي أرى صغارك! مبروك عليك أيتها القطّة الأم! والآن سأعود إلى درسي، اعتن أنت بصغارك».

          عادت ورد إلى حديقتها ودروسها. في المساء بينما هي في السرير استرجعت ما جرى مع القطة وتساءلت: «لماذا كانت القطة حزينة ومتعبة؟ ولماذا أصرّت على أن تدلّني على صغارها؟».

          لا بدّ أن القطّة أرادت أن توصل رسالة ما إلى ورد... وهذا ما ستكتشفه بعد وقت قصير.

          مضت أيام وها هو يوم العطلة الأسبوعي، وهو اليوم الذي تخصّصه ورد لتقليم الزهور وتهوية التربة وتنظيف الحديقة. توقعت ورد أن تأتي القطة وصغارها لزيارتها ولكنها لم تأت.

          مضى أسبوع آخر ولم تظهر القطّة، فقرّرت ورد أن تذهب لتراها وصغارها.

          وصلت ورد إلى شجرة المشمش ووجدت القطط الأربعة تلعب وحدها. استدارت ورد حول الشجرة فوجدت القطة الرمادية نائمة خلف جذع الشجرة.

          قلبت ورد القطة فلم تتحرك ولم تتنفس، فعرفت أنها ميتة.

          حزنت ورد لموت القطة، وفهمت أنها كانت مريضة.

          فكّرت ورد أن تفعل أي شيء لتنقذ القطة، ولكنها تذكرت قول أمها: «الموت حقّ على كل كائن حيّ»، واستعادت ما تعلمته من أستاذ الديانة الإسلامية: «كل حيّ سيموت ويبقى الله الحيّ القيوم الذي لا يموت».

          أحضرت العصافيرُ صندوقًا من الكرتون وأعطته لورد، وضعت فيه القطط الصغيرة وعادت بها إلى حديقتها. وهناك بنت لها بيتًا صغيرًا وقدّمت لها الحليب والطعام، وصار الجميع يعتني بالقطط الصغيرة التي سمّتها ورد: نوسي ولوسي وهرهور وبسبوس.

          فهمت ورد لماذا أخذتها القطة الأم إلى صغارها، لقد كانت تريد أن تعتني ورد بصغارها إذا أصابها مكروه. تلك كانت وصيّة القطة لورد وقد نفذت الوصية كما يجب.

          بعد شهرين كبرت القطط، وصار يمكنها أن تعتمد على نفسها... وهكذا ازداد عدد أصدقاء ورد، وكلما عادت من المدرسة تسارع القطط البيضاء إلى استقبالها وملاعبتها.

          صارت حديقة ورد أجمل بهذه القطط الصغيرة البيضاء كزهور الياسمين والغاردينيا.

 


 

بسمة الخطيب