عمارة المدن والحصون فى الإسلام.. فريد أبو سعدة

عمارة المدن والحصون فى الإسلام.. فريد أبو سعدة
        

          بدأ تخطيط المدن والعمارة الإسلامية منذ الهجرة إلى المدينة المنورة، حين أصبح للمسلمين مدينتهم الأولى، وكانت تقع على طريق التجارة إلى الشام، وذات تربة خصبة ومياه وفيرة مقارنة بمناطق أخرى في الحجاز.  نواة التغيير العمراني كانت بناء المسجد النبوي في وسط المدينة، ثم شقت طرق رئيسية تصل المسجد بالضواحي، طريق يمتد من المسجد ويتجه غربا حتى يصل إلى جبل سلع، وطريق من المسجد يخترق منازل بني عدي بن النجار ويصل إلى قباء جنوبا، ومن قباء طريق يتجه شمالا إلى البقيع. كانت الشوارع قياسية فقد كان عرض الشارع الرئيسي سبعة أذرع، والذي يتفرع منه خمسة أذرع والشارع الأصغر ثلاثة أذرع، وقد غطيت شوارع المدينة بالحصى.

          بعد توسع الدولة الإسلامية أسست كثير من المدن أهمها البصرة في 633 والكوفة في 638 والفسطاط في 642 والقيروان في 665 ميلادي، ويتشابه تخطيط هذه المدن إلى حد كبير مع تخطيط المدينة المنورة مما يظهر تأثيرها على المدن الإسلامية الأولى.

الجامع هو المركز

          كان أول ما يبنى هو المسجد الجامع ويكون في وسطها، ثم يبنى حوله مبنيان رئيسيان هما دار الإمارة وبيت المال. وبجوار المسجد كانت تخصص أرض للسوق، بعد ذلك كانت تخط أراض بينها شوارع رئيسية للقبائل المختلفة، ويترك تخطيط هذه الأراضي للقبائل. في وسط كل من تلك الخطط كان مسجد يسمى مسجد الصلوات الخمس، حيث يصلي فيه الناس ويجتمعون يوم الجمعة في المسجد الجامع.

          شرط الجغرافيون والمؤرخون المسلمون عند اختيار مواقع المدن أن يكون الموقع حصينًا بطبيعته، كأن تكون على هضبةٍ من الجبل، أو باستدارة بحر أو نهر حتى يصعب منالها على العدو،  وتشيّد الاسوار والحصون والقلاع حولها لوضع العراقيل أمام المهاجمين وتوفير العناصر الدفاعية المتعددة للمدافعين عن المدينة لتسهيل مهمتهم، وفي ذلك ذكر الإمام الطبري: لتحقيق الأمان في المدن الإسلامية يجب أن تتخذ لها الأسوار والخنادق والحصون.

أسوار مانعة

          كانت الأخطار التي أحاطت بالدولة الأيوبية الناشئة من ثورات داخلية من أتباع الفاطميين،  الراغبين في استعادة ملكهم، ومن أخطار خارجية متمثلة في الصليبيين وغاراتهم على مصر والشام سببًا في حرص صلاح الدين على توحيد عواصم مصر الإسلامية: الفسطاط والقطائع والقاهرة بسورٍ ليسهل الدفاع عنها، وذكر المقريزي أن طول هذا السور 302.29  بالذراع الهاشمية، (حوالى 19220.112م).

          وزيادة في تحصين عواصم مصر بعد توحيدها، اختار صلاح الدين جبل المقطم ليشيد عليه قلعته، وقد احتلت القلعة موقعًا إستراتيجيًّا أتاح للحامية الموجودة فيها أن تقوم بعمليتين حربيتين في وقتٍ واحد، فتستطيع أن تحكم سيطرتها على الجبهة الداخلية والقضاء على مَن يخرج عن طاعة السلطان، مع مقاومة أي هجومٍ خارجي على مدينة القاهرة. تُوفي صلاح الدين قبل إتمام القلعة فأتم  بناءها ابن أخيه الملك الكامل، وانتقل للسكن بها واستمرت من بعده مقرا للحكم طوال العصورالتالية حتى نُقل إلى قصر عابدين عام 1874م زمن الخديو إسماعيل، وقد أحاط صلاح الدين القلعة بخندق عميق يفصلها عن جبل المقطم  وقد شاهد ابن جبير أسرى الصليبيين وهم يحفرونه، واعتبره من العجائب.

 


 

فريد أبو سعدة