حكاية من روسيا (ريشة العصفور)

حكاية من روسيا (ريشة العصفور)
        

ترجمة: محمد الدنيا
رسوم: صفاء نبعة

          سقطت في أحدِ الأيامِ ريشةٌ من جسمِ العصفورِ، كانت ريشةً صغيرةً لم يرها أحد. لكن الريحََ المحتالةَ، التي تحلق في كلِّ مكانٍ، وتحملُ معها كلَّ الأشياءِ الصغيرةِ، خطفت الريشةَ، وارتفعت بها عاليًا جدًا، حيث لا تجرؤ أشجع العصافير على الاقترابِ.

          أمضت الريشةُ وقتًا طويلاً في تجوالها فوقَ الحقولِ والغابات والطرقِ والأنهارِ والمدنِ والقرى. فجأةً، هدأت الريحُ، راحت الريشةُ تنزلُ رويدًا رويدًا من السماءِ، في تلك اللحظةِ، خرجَ الصوص كوكو إلى الساحةِ ليتنزّه، فإذا بالريشةِ تسقطُ أمام منقاره.

          - آي! يا إلهي! ما هذا! صرخ الصوص، وقفز بعيدًا.

          بدأ كوكو ينظرُ تارةً إلى الريشةِ وتارةَ إلى السماءِ، لكنه لم ير أحدًا، ولم يلاحظ شيئًا، بل رأى غيمةً وحيدةً، وراحَ الصوصُ يتساءلُ:

          - لا أحد! مَن صاحب هذه الريشةِ إذن؟

          تابع الصوصُ نزهتَه، فرأى كلبًا نائمًا عند مدخل الدرجِ، وقد وضع رأسَه بين قائمتيه، كان كلبًا عجوزًا اسمه جوك. اقترب كوكو منه، وأخذ ينقره برفقٍ حتى استيقظ وسأله:

          - ألم تسقط هذه الريشةُ منك؟

          نظر الكلبُ إلى الريشةِ متثائبًا، ثم نظر إلى الصوصِ وقال له:

          - أيها الصوص الأحمق! ألا تعرف أن الكلاب لا تطير، وليس لها أجنحةً ولا ريش؟ الكلابُ مكسوّةٌ بالشعرِ، ألا تفهم؟

          - نعم، فهمت، شكرًا.

          تثاءب الكلبُ ثانيةً وقال:

          - تعال أيها الصوص، هات الريشةَ، سأصنع منها وسادةً، فهي تجلب أحلامًا سعيدةً.

          - كلا، اعذرني يا صديقي، يجب أن أبحثَ جادًا عن صاحبِ هذه الريشةِ.

          تابع كوكو طريقَه، ومشى وقتًا طويلاً، حتى وصل إلى ضفةِ البحيرة، فرأى سمكةً تسبح، سألها:

          - ألست أنت التي فقدت هذه الريشة؟

          ابتسمت السمكةُ، وقالت:

          - لا، أيها الصوص، ليس للأسماك أجنحةً، بل زعانف، كما أن جسمها مغطى بالحراشف، وليس بالريشِ. تركها الصوصُ ومشى، حتى صادف ضفدعةً، فسألها:

          - ألا يمكن أن تكوني أنت التي أضعت هذه الريشة؟

          ضحكت الضفدعةُ، وقالت:

          - ريشةٌ؟ أنا؟ كوا ها ها ها، لا، طبعًا، بالتأكيد ليس أنا، ولكن هذا لا يمنع أن أقبلها هديةً منك بكل سرورٍ ستفيدني في صنعِ قبعةٍ، يا له من زي حديث لهذا الموسمِ.

          - لكني لا أستطيع إهداءَها لك يا عزيزتي،عليّ أن أبحثَ عن صاحبِها.

          - في هذه الحالِ، عليك أن تسأل الذين يطيرون، وليس الذين ينطنطون!

          وبينما هو في حيرتِهِ، مرّت فراشةٌ فوقَ المروجِ، فلحق بها صائحًا:

          - أيتها الفراشة، لحظة من فضلكِ، أليست هذه الريشةِ الصغيرةِ لك؟

          حطّت الفراشةُ على زهرةٍ وقالت لكوكو:

          - لا، أيها الصوص، صحيح أني أعرف الطيران ولي أجنحةٌ، لكن أجنحتي مغطاةٌ بالحراشفِ الناعمةِ، وليس بالريشِ.

          - أنا أجهلُ ذلك، ولكن، مَن صاحب هذه الريشةِ إذن؟

          - ألم تقل لي إن الريشةَ سقطت من السماءِ؟ من كان في السماءِ حين التقطتها؟

          - كانت هناك غيمةٌ واحدةٌ.

          - غيمةٌ؟ الأمر واضحٌ يا صاحبي! هذه الريشة هي لتلك الغيمةِ.

          راح الصوصُ كوكو يصرخُ فرحًا، وعاد من حيث أتى وهو يقول:

          - ما أروع حظي! لقد عثرت على ريشةِ غيمةٍ!

          وفي الطريق، مرّ بالكلبِ جوك، وقال له:

          - هل تدري؟ هذه الريشةُ سقطت من الغيمةِ.

          استيقظ جوك مدمدمًا:

          - ماذا؟ ماذا تقول؟

          - خذ الريشةَ يا صديقي، واصنع منها وسادةً لأحلامِك الجميلةِ.

          وقدم كوكو الريشةَ بلطفٍ إلى الكلبِ، الذي أجاب متذمّرًا:

          - لا، لا، شكرًا. إن كانت هذه ريشة غيمة، فلا أستطيع صنع وسادةً منها، لأنها رطبةٌ، أفضل لك أن تحتفظ بها لكتابةِ وظائفك عند دخولك المدرسةِ.

          أجاب كوكو:

          - لكن الفراريج لا تذهب إلى المدرسةِ. ألا تعرف ذلك؟

          - آه، تذكرت الآن، صاحب هذه الريشةِ هو العندليب. هل تعرفه؟ إنه يغني بصوتٍ رائعٍ، ما أجمل أن نمضي حياتَنا بجانبِهِ! ما رأيك أن تحمل إليه هذه الريشةِ ليسجل عليها أغانيه العذبةَ؟

          - وأين أستطيع أن أجده؟

          - الأمرُ في غايةِ البساطةِ: يغرّد العندليبُ في الحديقةِ، تحت ضوءِ القمرِ، بعد قليل، سيحل الليلُ، ويصعد القمرُ في السماءِ، عندئذٍ، عليك السير نحو القمرِ، حتى تجد العندليب بقربِهِ.

          انتظر الصوص حتى ارتفعَ القمرُ فوقَ الأشجارِ، وذهب إليه، مشى طويلاً، ولم يصل، وبينما هو كذلك، سمع صوتًا حلوًا يناديه:

          - إلى أين أنت ذاهبٌ أيها الصوص في هذا الوقتِ؟ لابد أنك ضائعٌ.

          رفع كوكو منقارَه، فرأى طيرًا رماديًا صغيرًا على الغصنِ:

          - لا، لست ضائعًا، أنا ذاهبٌ إلى  القمرِ.

          - وماذا تريد أن تفعل هناك؟

          - أريد أن ألتقي بالعندليبِ.

          - العندليبُ، إنه أمامك. أنا العندليب.

          دُهش الصوصُ وقال:

          - عجبًا، كنت أقول لنفسي: بما أن غناءَك جميلٌ أيها العندليب، فلابد أن تكون طيرًا كبيرًا، ولك ريشٌ باهرُ الألوانِ، مثل ديكنا.

          ابتسم العندليبُ، وقال:

          - كل واحد يظهر أفضل ما عنده: الديك يعرضُ ريشَه، وأنا أقدم أغنياتي، وأنت أيها الصوص، ما أفضل ما عندك؟

          - عندي ريشةَ غيمة، هاهي، خذها واكتب عليها أغانيكَ.

          تناول العندليبُ الريشةَ بمنقارِهِ، وراح يتفحّصها:

          - شكرًا أيها الصوص، لكن هذه الريشة هي للعصفور الدوري، وليست للغيمةِ.

          أجابه كوكو حزينًا:

          - ألا تريد أخذها لتكتب عليها أغانيكَ؟

          أجابه العندليبُ:

          - لا تحزن يا صديقي يجب أن تعلم أن الأغنيات تنبعُ من القلبِ، ولا فائدةَ للريشةِ هنا. على كل حال، سنحملُ الريشةَ معًا، ونأخذها إلى صديقِنا العصفور. ستفيده في صنعِ عش لفراخه كي تنعمُ بالدفءِ. مارأيك؟

          - بالتأكيد.

          حمل العندليبُ الريشةَ إلى صديقِه العصفور الدوري، الذي سعد مع فراخِه لعودةِ ريشتهم المفقودة. وبهذه المناسبة، أنشد العندليبُ أغنيةً جميلةً امتدح فيها أمانةَ الصوص كوكو.