حكايات دهاء إفريقية (هدية العدد)

حكايات دهاء إفريقية (هدية العدد)
        

جمع وتحرير: روجر د. أبراهامز
ترجمة: عزت عامر
رسم: عبدالعال

  • صديقان منذ الطفولةِ

          كان هناك رجلان بينهما صداقة حميمة منذ الطفولة، ولم يسمع أحد أبدًا بأنهما تشاجرا في أي يوم. وكانت الصداقة بينهما حميمة جدًا حتى أن كلا منهما بنى لنفسه بيتًا مجاورًا لبيت الآخر، لا يفصلهما سوى ممر.

          وفي ذلك الحين كان في مدينتهما شخص خبيث حاذق في أعمال الشر، عقد عزمه على أنه سيفعل كل ما يستطيع لدفع الصديقين إلى الخصام. صنع هذا الرجل سترة، كان جانب منها ذا لون أحمر، والآخر أزرق. ومر بهما وهما مشغولان في حقليهما، وهو يصدر أعلى ما يمكن من الضوضاء لجذب انتباههما. ونظر كل من الصديقين تجاهه لمعرفة ما يحدث ثم واصلا عملهما.

          قال أحدهما: مدهش، هل رأيت هذا الرجل؟

          أجاب الآخر: نعم.

          - وهل لاحظت السترة اللامعة التي يرتديها؟

          - نعم.

          - ماذا كان لونها؟

          - يا للعجب، إنها زرقاء بالطبع.

          - زرقاء أيها الرجل، هذا أمر غريب، إنها حمراء دون شك!

          - لا أيها الصديق، أنا متأكد أنها زرقاء.

          - يا للسخافة، أنا أعلم أنها حمراء، لكنك...

          - كفى، إنك جاهل.

          - جاهل. ما الذي حدث، لقد ظللنا صديقين طوال العمر، وتصفني بالجهل!

          - يجب أن نكف عن هذا الأمر فورًا، إنه يهدد صداقتنا.

          وبدأ الصديقان في الشجار، لكن زوجتيهما تدخلتا في الموضوع لمنعهما من الخصام.

          وعاد الرجل الشرير متمهلاً، ورأى الصديقين جالسين، كل منهما في حقله، وكل منهما قد وضع مرفقيه على ركبتيه ورأسه بين يديه، وعيناه تبحلقان في الممر. لكنهما عندما نظرا إليه عن قرب عرفا المزحة التي وقعا ضحية لها، وندما على ما حدث. وطلبا من الشرير ألا يسير من هذا الطريق أبدًا بعد ذلك، وصبت المرأتان عليه اللعنة وتمنتا له سوء الحال.

  • أعمالٌ تنجزُ نفسَها

          كان للضبع صغير ومات، وكان لقط الأدغال صغير أيضًا، ومات هو أيضًا. وكره القط موطنه، وحدث الشيء نفسه للضبع. عندئذ هاجر كل منهما بحثًا عن مكان أفضل.

          وعندما وصل الضبع إلى منطقة أحبها قال: «ها هنا مكان مناسب. غدًا عند طلوع الفجر سوف آتي إلى هنا وانتزع الحشائش». وبالصدفة اختار القط المكان نفسه وأعجبه أيضا، فنزع الحشائش وذهب لينام بعيدًا.

          وفي الصباح التالي عاد الضبع إلى المكان فصاح متعجبًا: «يا له من مكان ممتاز، كنت أستعد لنزع الحشائش، والآن ها هي الحشائش قد نزعت نفسها». فاستعد للعمل ونظّف الأرض وغادر المكان. وعاد القط بدوره، فصاح متعجبًا: «يا لها من منطقة طيبة! كنت على وشك أن أنظف الأرض وها هي قد نظفت نفسها». فقطع بعض الأشجار ليستخدمها أعمدة للبيت، وتركها على الأرض وغادر المكان.

          عاد الضبع فثبت الأعمدة في الأرض وذهب لينام. عندئذ جاء القط، وقال: «الأعمدة! لقد زرعت نفسها». وقطّع بعض الخيزران ووضعه على الأرض. عندئذ حمل القط الحشائش وغطى بها سقف البيت. وقال الضبع عندما عاد: «كيف حدث ذلك، لقد اكتمل السقف».

          قسّم الضبع المنزل إلى جزأين، فاحتفظ لنفسه بغرفة وترك الأخرى لزوجته. فلما عاد القط قال: «حسنًا! لقد قسّم المنزل نفسه إلى جزأين. سوف أحتفظ بهذا الجزء لنفسي وأترك هذا الجزء لزوجتي. وخلال خمسة أيام سوف أحضر كل ما يخصني إلى هنا، وأستقر».

          وقرر الضبع أيضًا الرحيل في الموعد نفسه.

          بعد انتهاء الأيام الخمسة حمل القط ممتلكاته وعاد مصطحبًا زوجته معه. وفعل الضبع الشيء نفسه. دخل الضبع إلى غرفة، والقط إلى الغرفة الأخرى. وكان كل منهما يظن أنه لا يوجد غيره في البيت. وفي لحظة واحدة كسر كل منهما شيئًا، وصاح كل منهما: «من الذي يحطم الأشياء في الحجرة الأخرى»؟ ثم فر كل منهما هاربًا يملؤه الخوف.

          وجرى كل منهما بأسرع ما يمكنه من كيتا إلى أموتينو، حتى تقابلا. سأل القط: «ما الذي جاء بك إلى هنا أيها الضبع؟». قال الضبع: «كنت قد بنيت بيتًا. ثم حدث شيء طردني من البيت. ولا أعرف ما هو». فقال القط:« هذا ما حدث لي أيضًا». وقال الضبع: «كنت قد قطعت أشجارًا، وزرعت الأعمدة نفسها»، «وكنت قد وجدت مكانًا أحببته، وعندما ذهبت لانتزاع الحشائش كانت الحشائش قد نزعت نفسها!».

          حينئذ واصل القط والضبع الجري من جديد، ولم يستطع أحدهما أن يلتقي بالآخر أبدًا منذ ذلك الحين.

  • مَنْ حفرَ حفرةً وقعَ فيها

          تشاجر ماعز وثعلب وقال الماعز للثعلب إنه سيوقعه في مشكلات لن يستطع الخروج منها أبدًا. فقال الثعلب: «حسنًا افعل ما شئت وسوف أرد لك المعروف».

          ذهب الماعز في جولة فرأى أنثى الفهد، وبسبب خوفه سألها:«أيتها العمة ماذا تفعلين هنا؟». قالت: «أحد صغاري مريض». عندئذ فكّر الماعز متمهلاً وقال: «لدى الثعلب دواء سيشفي صغيرك». وطلبت أنثى الفهد استدعاء الثعلب، فذهب الماعز إلى الثعلب وقال له: «إنهم يبحثون عنك».

          «من الذي يبحث عني؟» سأل الثعلب، فقال الماعز: «لا أعرف. أظن أنه صديق لك. اذهب من هذا الطريق وسوف تجده». سار الثعلب على الدرب وبعد قليل وجد أنثى الفهد.

          خاف الثعلب واستفسر: «هل طلبت مقابلتي؟»، قالت: «نعم يا بني، أخوك مريض، ولقد كان الماعز هنا منذ قليل وقال لي إن لديك دواء قد يشفي صغيري».

          قال الثعلب: «نعم، لدي دواء سيشفي صغيرك، لكني أحتاج إلى قرن ماعز صغير لوضع الدواء فيه. إذا أحضرت لي قرن ماعز سأعد لك الدواء».

          سألت أنثى الفهد: «من أي طريق سار الماعز؟».

          رد الثعلب: «لقد قابلته هناك في هذا المكان المرتفع». «انتظر هنا مع صغيري، وسوف أحضر لك القرن»، هذا ما قالته أنثى الفهد وهي تنطلق مبتعدة. وبعد قليل كانت قد قتلت الماعز وعادت بقرنيه للثعلب.

          احترس، حتى لا تقع في الفخ الذي نصبته لغيرك.

  • سببُ حياةِ القروِد فوقَ الأشجارِ

          فلنستمع إلى قصة قطة الأدغال. كانت قطة الأدغال تقضي اليوم كله تصطاد، ولا تجد فريسة. وأصابها التعب، فاستقرت ساكنة تستريح، لكن البراغيث لم تتركها تهنأ براحتها.

          وعندما رأت قردًا يمر أمامها قالت له: «أيها القرد، أرجوك أن تأتي وتخلصني من هذه البراغيث. فهذا ما يفعله الأصدقاء بعضهم لبعض». ووافق القرد، وبينما كان يلتقط البراغيث استغرقت قطة الأدغال في النوم. عندئذ سحب القرد ذيل القطة وربطه في شجرة، وفر هاربًا.

          استيقظت القطة وأرادت أن تنهض وتغادر المكان، لكنها أدركت أن ذيلها مربوط في الشجرة. وحاولت جاهدة أن تتحرر من الرباط، لكنها عجزت عن ذلك، فاستمرت في مكانها لاهثة من التعب.

          واقترب منها قوقع حلزوني، فصاحت القطة عندما اقترب منها القوقع قائلة: «من فضلك فك ذيلي». فسألها القوقع «لن تلتهميني إذا فككتك؟». فردت عليه «لا لن أؤذيك». عندئذ فكها القوقع.

          عادت القطة إلى بيتها، وقالت لكل أصدقائها الحيوانات، «بعد اليوم الخامس من الآن، اعلنوا أنني توفيت، وأنكم تستعدون لدفني»، فقالت الحيوانات «موافقون».

          وفي اليوم الخامس، رقدت القطة ساكنة، متظاهرة بأنها ميتة. وجاءت كل الحيوانات، ورقصت حولها. رقصت كل الحيوانات.

          وانتفضت القطة واقفة فجأة، ووثبت للإمساك بالقرد، لكنه كان قد قفز إلى شجرة قريبة وهرب.

          ولهذا السبب يعيش القرد على الأشجار، ولن يستقر أبدًا على الأرض لأنه يخاف جدًا من قطة الأدغال.

  • سببُ مطاردةِ الكلبِ للحيواناتِ

          في قديم الزمان، حدث ذات مرة أن كان هناك كلب. وكان راقدًا وقد استغرق في نوم عميق بجانب بقايا نار في وسط الغابة. كان يستمتع بالدفء في راحة تامة.

          مر قرد ورأى الكلب فقال: «والآن ما نوع هذا الكائن، الذي ينام هناك هادئًا؟».

          ولم يستطع أن يتعرف على الكلب فنادى الحيوانات الأخرى في الغابة، فجاءت تهرول من كل جانب لترى هذا الكائن الغريب الذي عثر عليه القرد.

          وتوجه القرد في البداية إلى الفيل سائلاً إياه، وهو يشير إلى الكلب «ما نوع هذا المخلوق؟»، و«ماذا يفعل؟» دمدم الفيل قائلاً، وأذناه ترفرفان: «من المؤكد أنني لا أعرف!».

          ثم سأل القرد حيوان الأكاب (وهو من فصيلة الزرافة ولكنه غير طويل العنق): «ما نوع هذا المخلوق؟». تفحص الأكاب الكلب، ثم هز رأسه، وعيناه البنيتان الناعمتان تطرفان، وقال: «أنا آسف، لا أعرف».

          ثم جاء حيوان أم قرفة (وهو من آكلات النمل جسمه مكسو بقشور شبيهة بحراشف السمك) ليلقي نظرة. وشحذ مخالبه وكشكش قشوره ومد لسانه. وبدا عليه الذكاء المفرط حتى ظن الجميع أنه يعرف بالتأكيد. لكن أم قرفة اكتفى بالالتواء حول نفسه ودخل في النوم دون أن يلفظ أي كلمة.

          دعا القرد كل حيوانات الغابة، كلاً في دوره، لكن أيا منها لم يستطع أن يوضح إلى أي نوع من الكائنات ينتمي الكلب.

          وواصل الكلب نومه هانئًا.

          وأخيرًا بعد أن اجتمعت الحيوانات كلها، وعجز الجميع عن إجابة سؤال القرد، سمعوا صوتًا آتيًا من أعلى شجرة. لقد كان ذكر السلحفاة المسن، الذي سأل: «هل انتهيت من عملك أيها القرد؟» فأجاب القرد: «نعم». قال ذكر السلحفاة: «لم يعرف أحد ما هو ولا ما يفعل». «إنه كلب»، ثم أيقظ الكلب مناديًا: «أيها الكلب! طارد كل هذه الحيوانات!».

          وقام الكلب غاضبًا بسبب إيقاظه من النوم، وقفز وطارد كل حيوانات الغابة - القرد، والفيل، والجاموس، والشمبانزي - وهربت كل الحيوانات التي طاردها. ثم عاد قائلاً: «والآن، أين هو الحيوان الذي أيقظني! سوف أقتله، أفتك به تماما!».

          لكن ذكر السلحفاة الماكر كان قد زحف عائدًا إلى بيته، وهو يرد على الكلب قائلاً: «لن تجدني أيها الكلب، لكنك من الآن فصاعدًا سوف تطارد كل حيوان تراه».

          واستمر الأمر على هذا المنوال حتى يومنا هذا.

  • ضحايا الغرورِ

          حدث ذات يوم أن ذهب أرنب بري للبحث عن عمل لدى أسد، ووافق على أن يتولى أمر تجفيف لحم فرائس الأسد. وفي يوم ما، عندما كان الأسد في مكان بعيد يصطاد وكان الأرنب مشغولاً بأداء وظيفته، أتت ضباع إلى المكان، ورأت اللحم، وطلبت من الأرنب أن يعطيها بعضًا منه. ورفض الأرنب معللاً ذلك بأن اللحوم تخص الأسد، سيده. لكن الضباع تجاهلته تمامًا، وأخذت اللحم لتتصرف فيه كما يحلو لها. وتكرر ذلك كل يوم، وأصبح الأرنب في كرب شديد بسبب ما يحدث، حتى أنه قرر أن يصنع فخًا للضباع.

          حفر حفرة خادعة، وبعد أن وضع أوتادا حادة في قاعها، غطاها بالحشائش. وذهب في ذلك المساء بحثًا عن التزود بحطب الوقود، وعند عودته وجد أنه قد وقع في محنة، حيث إن الأسد، وليس الضباع، هو الذي وقع في الحفرة ومات. وحينئذ لم يكن عليه فقط أن يهزم الضباع، بل عليه أيضًا أن ينتقم لموت سيده. رفع الأسد خارج الحفرة، وأزال الجلد بعناية ثم جففه، وحشاه بالحشائش، ووضع الجثة المحشوة في الغابة القريبة، وربط طرف حبل في رقبتها، ثم واصل عمله. وما أسرع ما جاءت الضباع كما هي عادتها، باحثة عن الطعام. ودعاها الأرنب في ذلك اليوم لتأخذ كل ما طاب لها. ولكي يظهر الأرنب تودده إلى الضباع، نظر إلى أحدها قائلاً إن مظهره سيكون رائعًا لو وضع عقدًا حول عنقه، فأثار بذلك غرور الضبع الذي سمح للأرنب بأن يثبت حبلاً حول عنقه. وهكذا كان الطرف الآخر من الحبل مربوطًا بالأسد المحشو، لذلك عندما قال الأرنب في اللحظة التالية إن الأسد في طريقه إلى العودة، وبدأت الضباع في الجري مبتعدة وجدت الأسد يطاردها. وكلما توقفت لالتقاط الأنفاس كان الأسد خلفها يتابعها، فقررت الجري إلى جحر تعرفه، حيث يمكنها الاختباء.

          وبعد أن قضت بعض الوقت في ذلك المكان، استجمع أحدها شجاعته ليسترق النظر من مدخل الجحر، فوجد الأسد في انتظارها. وبمرور الأيام ازداد جوع الضباع، لكنها كلما نظرت إلى الخارج وجدت الأسد في انتظارها لا يغادر المكان، لذلك ازدادت الضباع ضعفًا فضعفًا حتى ماتت جوعًا في نهاية الأمر.

  • اكتشافُ أنَّ العرفَ ليّن

          في زمن قديم اعتادت كل النسور والصقور الخوف من الدجاج، وخصوصًا الديك، وبسبب عرفه ذي القرون الحمراء ظنوا أنه بالغ الخطورة. وذات يوم، بعد مناقشة الأمر من شتى جوانبه، قرروا إرسال أخيهم الصغير كاتوتولا، وهو أصغر الصقور، ليروا هل كانوا محقين في خوفهم.

          حينئذ طار كاتوتولا هابطًا إلى الأرض سفيرًا للسلام، ووجد الديك يختال في مشيته مع عائلته، فقال له إن ملكهم النسر كابونجو يريد عقد أواصر الصداقة مع الديك، لكنهم جميعًا يخافون عرفه ذا القرون الحمراء. فأجاب الديك أن عرفه ليس من القرون، لكنه ليّن تمامًا، ودعا الصقر قائلاً: «هيا المسه بنفسك»، «ليس فيه ما يُخيف». كان كاتوتولا خائفًا، لكن الديك كرر دعوته، ففعل كاتوتولا ما طلبه الديك. ولدهشته وجد العرف لينًا ولا خطر فيه، تمامًا كما قال الديك.

          وقبل الديك رسالة الصداقة مع النسور، فودعه كاتوتولا واستعد للطيران مبتعدًا. وفي اللحظة نفسها تلصص على إحدى دجاجات الديك إذ لم يعد يشعر بالخوف، وهبط مندفعًا كالسهم وحملها وطار بها عائدًا إلى أهله قائلاً: «انظروا لقد اختطفت إحدى دجاجاته. ليس الديك جديرًا بأن يخاف منه أي أحد». وهذا هو السبب أن النسور والصقور في وقتنا الراهن تعرف أن الدجاج كائنات ضعيفة، ومن السهل الهجوم عليها واختطاف أفراخها.

 


 

   

 




غلاف هدية العدد