هدية «مانيه» لـ «زولا»

هدية «مانيه» لـ «زولا»
        

          رن جرس المنزل فجأة ثلاث مرات متتالية، فهرعت فاطمة إلى شرفتها المطلة على باب المنزل لتستطلع الأمر، لتتفاجأ بصديقتها وزميلتها في الفصل زينب وبيدها صورة كبيرة.

          أسرعت لفتح الباب، مستقبلة ضيفتها بابتسامة عريضة ووجه مشرق يعلوه الفرح:

          - كنت بصدد التفكير في مهاتفتك ودعوتك لزيارتي، وهأنت تحققين لي هذه الرغبة وكأنك عن بعد أدركت مرادي.

          - خيرا يا فاطمة، إن لقاءنا هذا المساء ضروري لنرتب معًا العرض الذي كلفنا بإعداده أستاذ الآداب الفرنسية حول «إميل زولا» ( Emile Zola).

          ثم صعدتا بسرعة الأدراج المؤدية إلى الطابق الأول ليلتحقا بغرفة فاطمة وهما تواصلان الحديث.

          - أعتقد يا زينب أننا فرغنا من إعداد العرض، وصادقنا على محتواه بعد نقاش طويل. ولم يبق لنا إلا صياغته على الشكل النهائي، والاتفاق على الطريقة التي سوف نعرضه من خلالها ليكون مطبوعا بالمتعة والتشويق، وفي هذا الصدد أمدني عمي أحمد بهذه الصورة وهي للوحة رسمها «إدوار مانيه» للأديب «إميل زولا».

          ثم بسطت زينب صورة كبيرة بالألوان.

          - ما رأيك فيها يا فاطمة؟

          - أحسنت اختيارا ستعطي هذه الصورة للعرض نكهة متميزة وسنحوز ثناء أستاذنا وإعجاب زملائنا بلا شك.

          من مبدع هذه اللوحة؟

          - حين أمدني عمي أحمد بهذه الصورة ، لم يبخل علي، وهو مدرس للتربية التشكيلية، بمعلومات حول حياة الرسام «إدوار مانيه» الذي رسمها عام 1867، لقد كتبت لمحة عن حياته في ورقة، سأقرأها عليك:

          (« إدوار مانيه» (Edouard Manet ) من أبرز الرسامين التشكيليين الفرنسيين في القرن التاسع عشر، ولد بباريس سنة 1832، كان أبوه من كبار موظفي وزارة العدل ، ووالدته «أوجيني ديزيري فورنيي» ابنة أحد الديبلوماسيين في ستوكهولم (السويد)، درس بإعدادية «رولان» (Rollin) وبها توثقت صداقته الحميمة مع «أنتوان بروست»  Antoine Proust)) ، إذ كانا مولعين بزيارة متحف «اللوفر» (Le Louvre) من حين لآخر ، ويرجع الفضل إلى خاله «إدوار فورنيي» في تشجيعه على المضي في عالم الفن التشكيلي. أخفق في أن يتخرج ضابطا في البحرية وخيب آمال أسرته، إذ أخذ الرسم من اهتمامه ولبه إلى درجة أنه اختار باقتناع امتهان الرسم، وهكذا قرر الالتحاق سنة 1850بورشة الرسام الأكاديمي «توماس كوتير» (Thomas coutures ) التي قضى بها ست سنوات لصقل موهبته، واقتصرت أعماله الأولى على نقل أهم اللوحات المعروضة في متحف «اللوفر»، وأقام أول معرض له سنة 1861 ، وتعتبر لوحة «غذاء على العشب» أشهر لوحة له على الإطلاق ، وتوالت إنتاجاته، التي اعتبرها الأكاديميون خارجة عن المألوف، بل منعوه من عرضها إلى الحد الذي اضطر فيه إلى تنظيم معرض لمفرده بباريس بتمويل من والدته، ضم خمسين لوحة. وفي خضم هذه الأزمة التي اجتازها «مانيه» بإقصائه ومحاولة تهميشه انبرى للدفاع عنه صديقه المفكر والأديب «إميل زولا» (Emile Zola) في المنابر الإعلامية للإشادة باتجاهه المتجدد، وقد عرف بمقولته الشهيرة: «إنكم تسخرون اليوم من «مانيه»، ولكن أبناءنا سيجتمعون بزهو وإعجاب حول لوحاته».

          واعترافا من «مانيه» بالجميل نحو صديقه ومواقفه أنجز له هذه اللوحة (شاهد اللوحة) وأثراها بما كان يجمع الصديقين معا من كتب ولوحات اشتركا، لاشك، في مطالعتها معا ومناقشتها.

          إن «مانيه» يعتبر من المجددين الذين وضعوا أولى لبنات «الرسم الانطباعي» أو «التأثيري». ويرتكز هذا الاتجاه في الرسم على التأثير الذي تحدثه تغيرات الضوء في الألوان والانطباع الذي تتركه هذه التغيرات على عين المشاهد.

          - إنها معلومات قيمة عن هذا الفنان الذي أتعرف عليه لأول مرة ، ما رأيك أن نقترح على مدرسنا تزيين جدار حجرة الدرس بها وإلى جانبها هذه النبذة حول حياة الفنان؟

 


 

أحمد واحمان