كتكوت في سنة أولى

كتكوت في سنة أولى
        

رسوم: عبد العال

          تنهد السيدُ بصير الديك وهو يخلع نظارته وينحي (يبعد) الجريدةَ جانبًا متحدثا لديك آخر: «تقول الجريدة إن مرض إنفلونزا الطيور ينتشر أكثرَ في الريفِ حيث تقوم السيداتُ بتربية الطيورِ بالمنزل، لذلك سيتم تحصينُ الطيور المنزلية بالمجان في جميع القرى»..

          كان الحديثُ عن إنفلونزا الطيورِ هو حديثَ الساعة في عالم الدجاج هذه الأيام.. إلا أن الست بقلوظة الدجاجة كانت مشغولة بشيء أهم.. حيث إن بيضتها للتو فقست وخرج منها كتكوت جميل وكانت تنقر له الحب بمنقارها لتعلمه كيف يأكل..

          جرى الكتكوت ليلعب مع باقي الكتاكيت، إلا أنه عادَ بعد قليلٍ إليها باًكيا وقال: «ماما، كلهم ينادون بعضهم بأسماء، ليس لي اسم مثلهم؟!».. ضحكت الست بقلوظة وعادت وضمته إلى صدرها بجناحها وقالت: «وأنت أيضا يا حبيبي لك اسم مثلهم، اسمك........».

          وقبل أن تنطق له باسمه فتح باب المزرعة..

          ما إن فتح الباب حتى عم الهرج والمرج المكان كله.. فقد جاء مندوب لجنة وزارة الصحة لأخذ عينات من دجاج المزرعة للكشف عليها للتأكد من خلوها من مرض إنفلونزا الطيور..

          صرخ الدجاج وصاحت الديوك وعمال المزرعة يجرون وراءهم، يمسكون منهم من وقع عليه الاختيار من قبل الطبيب البيطري كعينة ليتم الكشف عليهم في معامل الوزارة..

          جرى الكتكوت الصغير هنا وهناك متعثرا وهو يصرخ باكيًا مناديًا على أمه في خوف وفزع: «أمي، أمي، ماما بقلوظة..أين أنت يا أمي؟!».. وظل ينادي دون مجيب؛ فقد كانت الست بقلوظة واحدةً من الدجاجات التي وقع عليها الاختيار ضمن عينة الفحص..

          وقف بجوار الحائط وحيدًا حزينًا باكيًا وهو يحدّث نفسه بصوت مسموع: «أين أنت يا أمي ؟! هل ستتركينني بلا اسم؟! كيف يناديني أصدقائي؟!».. سمعه السيدُ بصيرُ الديك فربتَ عليه وقال: «آه إنها إنفلونزا الطيور».. نظر إليه مستغربا وعيناه دامعتان وقال: «إنفلونزا الطيور!!».. أجاب السيد بصير: «نعم، فيروس إنفلونزا الطيور يصيب الإنسان الذي يختلط بالطيور، وذلك عن طريق استنشاق الهواء الملوث.. وينصح الأطباء ربة المنزل التي تربي طيورًا في منزلها أن تضع كمامة وغطاء رأس وقفازًا وهي تتعامل مع الطيور.. وأن تغسل وتطهر الأدوات بعد الذبح.. وتصب على  جميع المخلفات قليلاً من الفنيك وتدفنها في مدفن صحي.. وأن تضع الطيور المذبوحة في ماء وخل، وتطهوها عند درجة حرارة 70 درجة مئوية، أما بالنسبة للبيض فيجب غسله قبل قليه، ولكن مع الأسف، تخالف بعض السيدات هذه النصائح، فيتعرضن للإصابة».. قاطعه الكتكوت في حزن: «ولكن ما ذنبي أنا بإنفلونزا الطيور هذه كي أفقد أمي.. صرت يتيما بلا أم.. بلا اسم».

          وهنا فتح باب المزرعة ، تطلع الدجاج بعينيه ناحية الباب في صمت..

          ترى من سيصيبه الدور هذه المرة؟!..

          هل العينة لم تكن كافية؟!..

          ولكن كانت المفاجأة كبيرة للكتكوت عندما رأى أحد عمال المزرعة يمسك بالست بقلوظة ويعيدها إلى المزرعة.. جرى إليها ابنها ومعه كل الدجاج والديوك بالمزرعة.. قالت الست بقلوظة وهي تضم ابنها إلى صدرها: «أكد الطبيب خلو مزرعتنا من المرض وتم الإفراج عني». هلل الجميع فرحين.. والتصق الكتكوت بأمه الست بقلوظة وقال لها معاتبا: «لماذا خرجت وتركتني بمفردي ؟!».. فضمته إليها بحنان وهي تقول: «لا تحزن يا صغيري، هذه مجرد إجراءات تتبعها الأجهزة الطبية بمديريات الطب البيطري في حالة الشك في وجود إصابة بالمرض، لتجنب الإصابة بمرض إنفلونزا الطيور، ولكن الحمد لله مزرعتنا سليمة وخالية من المرض».. وقفز الكتكوت فرحًا، وعاود لعبه مع الصغار إلا أنه بعد قليل عاد باكيًا لأمه وقال: «ألن تعطيني اسمًا مثلهم؟!».. ضحكت بقلوظة وقالت له: «سأسميك فصيح، فصيح الذي خرج من البيضة يصيح».. ضحك فصيح بصوت عال سمعه كل الدجاج وردد في فرح وهو يقفز حول أمه: «اسمي فصيح، اسمي فصيح لأني خرجت من البيضة أصيح».

 

 


 

ماجد جورج