العالم يتقدم.. لغز أشباح الكون

العالم يتقدم.. لغز أشباح الكون
        

          هل تعلم أن في الكون أجساما فضائية جبارة يقدر عددها بالملايين، كان يطلق عليها «أشباح الكون»؟ وربما يرجع هذا لمظهرها الضبابي ولأنها تشبه السحب الرقيقة التي لم يكن من الممكن تحديد معالمها الخارجية أو التعرف على هويتها وتركيبها، ومن ثم كانت تمثل لغزا كونيا امام علماء الفلك. وكان علماء الفلك العرب يسمونها «السحابيات».

          أما في علم الفلك الحديث فيطلق عليها «السدم»، والسديم في اللغة هو الضباب الرقيق المنتشر في مساحات واسعة. وبعد استخدام المراصد العملاقة الأرضية والفضائية، اتضح للعلماء أن السدم هي وحدات البناء الاساسية للكون، حيث إنها تحتوي على العناصر والمكونات التي تتشكل منها النجوم والكواكب والمجموعات الشمسية.

لوحات فنية سماوية

          كما أن السدم من أجمل الأجسام الفضائية الموجودة في الكون، إذ إنها تتألق بألوان عديدة فتبدو مثل لوحات فنية سماوية رائعة، كما تطلق أنوارا دوّارة، بتأثير النجوم التي بداخل تلك السحب الغازية، والتي تجعلها تتوهج بألوان حمراء وزرقاء وخضراء أخاذة، وكذلك بفعل عناصر متباينة موجودة داخل السدم. وتتكون معظم السدم من نحـو 90 % هيدروجين و9.9 % هليوم و0.1 % عناصر ثقيلة مثل الكربون والنيتروجين والمغنسيوم والبوتاسيوم والكالسيوم والحديد.

          ويدور السديم بسرعة مذهلة، تصل الى مئات الكيلومترات في الثانية الواحدة، في شبه حركة متماسكة، على الرغم من انه يتكون بصفة أساسية من غاز وغبار. وقد يحتاج أي جزء من السديم الى بضعة ملايين من السنين، ليتم دورة كاملة حول مركزه، ويرجع ذلك الى الحجم الهائل الذي تتميز به السدم، إذ قد يصل طولها أو عرضها الى مئات السنين الضوئية. والسنة الضوئية مقياس كوني يمثل المسافة التي يقطعها الضوء في السنة، مع العلم بأن سرعته هي 300.000 كيلو متر في الثانية الواحدة. وتبعد عنا السدم بآلاف وأحيانا ملايين السنوات الضوئية.

أنواع السدم:

ويمكن تقسيم السدم الى عدة أنواع منها:

          السدم الانبعاثية: عبارة عن سحب من غاز درجة حرارته بالغة الارتفاع. وفي هذا النوع من السدم يعمل أحد النجوم على تنشيط الذرات في السحابة بالإشعاعات فوق البنفسجية التي يطلقها، وعندما تعود الذرات الى حالتها الطبيعية فإنها تطلق إشعاعات ضوئية مميزة، وهذه العملية تشبه ما يحدث في مصابيح النيون، ويسبب ذلك تألق السديم. وعموما فإن سدم الانبعاث تميل إلى اللون الأحمر بسبب وفرة الهيدروجين بها، أما الألوان الأخرى مثل الأزرق والاخضر، فتنتج من ذرات العناصر الأخرى في السديم. وأحد الأمثلة الواضحة لهذه السدم «سديم الجبار».

          السدم العاكسة: تختلف هذه السدم عن الانبعاثية، في انها لا تطلق إشعاعات ذاتيًا، بل تعكس الضوء الصادر من مجموعة نجوم مجاورة. والسدم العاكسة هي دائما مواقع لتكوين النجوم، وتميل الى اللون الأزرق بسبب طريقة تشتت ضوئها، فالضوء الأزرق يتشتت بفاعلية أكثر من غيره. ومن أمثلة السدم العاكسة، السديم «ثلاثي الشقوق».

          السدم المظلمة: عبارة عن سحب من الغبار الكثيف الذي يحجب الضوء من الأجسام المضيئة التي تقع خلفه. وتوجد هذه السدم في الأماكن الخالية من النجوم أو التي يقل فيها عدد النجوم بالنسبة الى المناطق المحيطة بها. ولعل سديم «رأس الحصان» أكثر الأمثلة شهرة على السدم المظلمة.

          السدم الكوكبية: تتكون من طبقات غازية يطلقها نجم يقترب من نهاية دورة حياته. ويوجد في مركز معظمها نجم شديد الحرارة وقد أعطيت تلك السدم هذا الاسم، لأنها تبدو غالبا ككواكب بسبب شكلها المستدير. ويعد السديم » الحلقي»، أفضل الأمثلة على السديم الكوكبي.

          سدم بقايا السوبرنوفا: أحيانًا ينفجر نجم عملاق بشكل جبار (سوبر نوفا)، مما يؤدي إلى تشتت مادته في الفضاء، وتنشأ عن هذه الكارثة الفلكية، سحابة رمادية متوهجة من بقايا هذا النجم. وأحد أشهر الأمثلة على سدم بقايا السوبر نوفا، سديم «السرطان».

حضانة.. النجوم

          السدم هي عادة المواقع التي تنشأ فيها النجوم، أي أن السديم هو «حضانة» النجوم. والواقع أن كل النجوم والكواكب والمجموعات الشمسية، تولد بين السدم. وربما يكمن السديم في سكون دون أن يزعجه أي حادث كوني، لملايين أو بلايين السنين. وأخيرا لعل جاذبية نجم مار بالقرب منه أو الموجة الصدمية التي تنشأ عن انفجار نجم عملاق، تسبب توّلد دوامات وموجات داخل السحابة السديمية. وتبدأ مادة السديم في الاندماج بعضها ببعض ثم تتكتل ويزداد حجمها. وكلما ازدادت حجوم تلك التكتلات، ازدادت جاذبيتها. وتستمر هذه الجاذبية في سحب المادة من السديم وكأنها دوامة جبارة، إلى أن تصل واحدة أو أكثر من تلك التكتلات الى كتلة معينة، عندئذ تكون هذه التكتلات نجومًا وليدة في طور التكوين، وعندما تزداد الجاذبية أكثر، تصل درجة الحرارة في قلب السديم إلى نحو ثمانية عشر مليون درجة. حينئذ يبدأ الاندماج النووي (العملية التي ينتج منها تكون نواة ذات كتلة اكبر من نوى أصغر كتلة منها )، وهكذا يولد أحد النجوم. وسرعان ما تقوم الرياح المنبعثة من النجم الوليد، التي تبلغ سرعتها مئات الكيلومترات في الثانية، بطرد كل بقايا الغبار والغاز. وأحيانا تتكون تكتلات أصغر حجمًا من المادة حول النجم، لتصبح كواكب. وتعتبر تلك بداية نشوء مجموعة شمسية جديدة.  وهذه المعلومات العلمية المثيرة والحديثة التي حصل عليها العلماء من المراصد الأرضية والفضائية، هي التي أماطت اللثام (كشفت) عن لغز أشباح الكون.

 


 

رؤوف وصفي