«الدبابير» وفضلها الكبير.. د. محمد المخزنجي

«الدبابير» وفضلها الكبير.. د. محمد المخزنجي
        

          طبعا عندما تسمعون صوت أزيزه بقربكم ترتعبون. ترونه  بلونه الأصفر على  أسود  فتركضون بعيدا. الحذر واجب. والخوف مُبرَّر. وحكايات لسع الدبابير كثيرة وخطيرة. لكن هذا ليس كل شيء. فالدبور أستاذ كبير كبير. علّم البشرية كيف تصنع الورق. ومن الورق جاءت الكتب وامتلأت المكتبات وازدهرت المدارس والجامعات. الكتب هي ذاكرة الحضارة البشرية. والفضل للدبور. دبور عادي لمحه رجل صيني اسمه «تساي ـ لون». لم يهرب «تساي ـ لون.» عندما  لمح الدبور ورآه يحوم حول رأسه. صحيح أنه كان منتبهًا ومحترسًا وهو يتابعه ويتحاشى لسعه. لكنه لم يكتف بالفرار بل راح يراقب الدبور وهو يبتعد عنه. رآه يحط على شجرة بامبو. ومن لحاء البامبو أخذ شظايا دقيقة جعل يمضغها ويخلطها بلعابه حتى صارت كرة صغيرة طرية. بين أسنانه وأقدامه الصغيرة حمل الكرة الصغيرة الطرية وطار بها. وسار وراءه «تساي ـ لون.» رآه  يحط أخيرا على عشه الذي يشبه عنقودا من الأقماع المنمنمة. وكانت دهشة «تساي ـ لون.» عظيمة عندما رأى مايفعله الدبور. كان يقطع الكرة الصغيرة ويبطط القطع حتى تصير شرائح دقيقة. ومن الشرائح يشكل أقماعا جديدة في العش وينصرف. يذهب ويستريح في أحد الأقماع القديمة. لماذا؟ سأل «تساي ـ لون.» نفسه ورأى الإجابة تتجسد أمام عينيه. فالأقماع الجديدة الطرية كان لابد من تركها تجف في حرارة الشمس. وعندما تجف.. تصير متماسكة ومشدودة. فكرة! لمعت الفكرة في رأس «تساي ـ لون.» وقال لنفسه : إذا كان الدبور يصنع أقماعًا ورقية صغيرة بهذه الطريقة فيمكنني أن أصنع صفحات كبيرة عريضة. وعلى الفور انصرف «تساي ـ لون.» وفي دماغه فكرة ابتكارالورق. أحضر قطًعا من البامبو وصنع منها مسحوقا. وأضاف إلى مسحوق البامبو الماء فصار عجينة. فرد العجينة على نسيج مشدود فرشح منها الماء وصارت صفحات طرية. جففتها الشمس فصارت ورقا. وعرفت الصين الورق منذ ما يزيد على ألفي عام. ولم تعرفه أوربا إلا بعد ذلك بألف ومائتي سنة  عندما نقله التجار العرب من الصين إلى أوربا. صحيح أن الاكتشاف يرجع لنباهة وانتباه «تساي ـ لون.» لكن الفضل الأساسي يعود للدبور الذي أوحى بالفكرة. هكذا تقول الحكاية الصينية القديمة. وهذا يجعلنا نحترم عبقرية «الدبابير». لكنه لا يجعلنا نأمن شر لسعها. عندما نراها تحوم حولنا ونسمع صوت أزيزها.

 


 

محمد المخزنجي