أسنان سارة.. قصة : لطيفة بطي

أسنان سارة.. قصة : لطيفة بطي
        

رسوم: نصير بهبهاني

          كانت سارةُ تتصفحُ ألبومَ صورها وابتسمت عندما رأت صورتَها حين كانت في الشهرِ الخامسِ من عمرها، إذ كانت الصورة الملتقطة لها وهي تضحك ولم يكن في فمها أي أسنان أما في الشهر السابع فكانت لها صورة أخرى ومن فكّها الأسفلِ كانت تظهر سن واحدة صغيرة وكُتِب تعليق أسفل الصورة (ظهور السن الأولى)

          وعندما التحقت بالروضةِ كانت ابتسامتها في الصورة تكشف عن أسنانٍ رائعةٍ صغيرةٍ وبيضاء متقابلة في فكيها العلوي والسفلي، أما صورتها حينما كانت في المرحلة الابتدائية وأثناء الاحتفال بعيد ميلادها السادسِ كتب أسفلها: (سقوط السن الأولى)، تذكر سارة أنها في ذلك الوقت كانت تشعر بقلقلة في سنها كلما دفعتها بلسانها أو لمستها بأصبعها، وطمأنتها أمها أن السن اللبنية الصغيرة ستسقط وستحظى بدلا منها بسن دائمة، وعندما قضمت تفاحةً فوجئت بانغراز السن في القضمة التي اقتطعتها مع نقاط قليلة من الدم تساقطت من لثتها، شعرت سارة بالذعر وصاحت ولكن أمها هدأتها وأعدت لها محلولاً من الماء والملح، وطلبت منها المضمضة حتى ينقطع الدم، عندما هدأت سارة وجدت أن الألم لم يكن شديدًا وسرعان ما اعتادت منظر فمها من غير تلك السن، وعندما تقلقلت سنها الأخرى وسقطت في الحمام حين كانت تفرش أسنانها لم تخف ولم ترتعب، بل تناولت ملاقط الغسيل الملونة في السلة وشبكتها بشعرها القصير ثم خرجت من الحمام وهتفت بأمها وأبيها وهي تفتح فمها الخالي من السنتين وترفع يدها بعلامة هجوم ( بوووو... !) مما أثار ضحك والديها وتعليقهما: سارة أيتها العفريتة لقد أخفتنا!

          مضت أيام كثيرة شعرت بعدها سارة بألم في طاحونتها وقال الأب وهو يفحص أسنان سارة : هذا الألم بحاجة إلى طبيب الأسنان.

          فزعت سارة وشرقت بدموعها عندما سمعت ذلك من أبيها وتذكرت رائحة المستوصف والأدوية المرة والممرضات اللواتي يحملن الإبر في أيديهن لغرزها في أجسام الأطفال، فرفضت الذهاب لطبيب الأسنان ولم ينفع معها إقناع والديها لها بضرورة معالجة سنها مما دعا الأب إلى النهوض وحملها رغما عنها إلى الطبيب.

          عند طبيب الأسنان لم يتوقف صياح سارة وبكاؤها فأصيب الأطفال الآخرون بعدوى الصياح والبكاء أيضا، وهب الآباء والأمهات لتهدئتهم لكن من دون فائدة!

          عندما جلست سارة على كرسي العلاج ووقف أبوها بقربها تشبثت بملابسه محاولة الإفلات والهرب وكانت الممرضة تجذبها محاولة تثبيتها، أما طبيب الأسنان الذي كان يضع القناعَ على وجهه فكان ينتظر هدوء عاصفة سارة لكنها لم تفعل، أزاح الطبيب القناع عن وجهه وركز عينيه في عيني سارة الفزعتين الدامعتين وقال بحـزم: أنا متأكد يا سارة من أن لديك أصوات أخرى غير صوت البكاء المزعج!

          دهشت سارة لكلمات الطبيب لكنها كانت لاتزال تشهق بدموعها، وقال الطبيبُ مرة أخرى: أنا أعلم أن لديك أصوات أخرى أجمل، صوت ضحكك، صوتك عندما ترين شيئًا جميلاً وتصيحين.. واوو..، صوتك وأنت تغنين عندما تمرحين أو ترددين الأناشيد مع أصدقائك في المدرسة.

          كانت الدهشة تزداد على وجه سارة وكانت أنفاسها لاتزال مضطربة، وتابع الطبيب يسأل : عندما يرن جرس الباب في منزلك هل تفزعين يا سارة؟

          لم تجب سارة وكانت قد هدأت قليلا فتابع الطبيب قائلا : أنا متأكد أيضا من أنك لا تفزعين أيضا عندما تسمعين صوت جرس المدرسة أو صوت جرس الهاتف ولا عندما تسمعين صوت بوق السيارة أو صوت المكنسة الكهربائية، أليس كذلك؟

          هزت سارة رأسها هذه المرة بالإيجاب، قرب الطبيب آلة فحص الأسنان من سارة وقال : هذه الآلة أيضا لها صوت ولكن الأطفال يخافون منها لأنهم لم يتعودوا على سماع صوتها كالهاتف والجرس والمكنسة وغيرها من الآلات، ما رأيك أن تسمعي صوت هذه الآلة يا سارة؟

          رمشت سارة بعينيها ولم تقل شيئا، ضغط الطبيب على زر التشغيل فصدر عن الآلة أزيز خفيف ومتواصل ثم أطفأها وشغّلها عدة مرات وقال لسارة: مسكينة هي الآلات ليس لديها، الا صوت واحد لكل منها، ولكن الأطفال لديهم أصوات كثيرة لكل المواقف التي تحدث لهم!

          ناولت الممرضة الطبيب مستحضر (الجيل الطبي) المخدر لألم الأسنان وسأل الطبيب: هل تخافين معجون الأسنان يا سارة؟

          همست سارة : لا....

          وتابع الطبيب : هذا الدواء يشبه معجون الأسنان سأضع القليل منه على لثتك، سيخدر الألم ولن تشعري بالخوف من هذه الآلة المسكينة ذات الصوت الواحد، هل نبتدئ العلاج يا سارة؟

          اعتدلت سارة على كرسيها وفتحت فمها، واستخرج الأب من حقيبة صغيرة كانت معه كاميرا التصوير التقط صورة لها وقال : سنكتب أسفل هذه الصورة: الزيارة الأولى لطبيب الأسنان!

 


 

لطيفة بطي