الأميرة زهراء

الأميرة زهراء
        

رسم: أمين الباشا

          كان يومًا ممطرًا، استيقظتُ على صوتِ الرعدِ وهطولِ الأمطارِ. تهيأتُ للذهابِ إلى المدرسةِ كعادتي كل صباحٍ آملاً في أن يهدأ المطرُ.

          نصحتني أمي ألا أخرج الآن، نظرتُُ من النافذةِ، الشارع كالنهرِ، المارّة يركضون، رأيت رفيقي سميح راكضًا أيضًا. أخبرتُ أمي بذلك، قالت لي: إذا أردت الخروج فعليك أن تنتبه. خرجتُ حاملاً شمسيةً، وصلتُ إلى المدرسةِ، نصف طلاب صفّي غائبون.

          والأستاذُ لم يصلْ بعد. كنا تسعةَ طلاب، أعمارنا ما بين الثامنة والعشرة أعوام. اقترحت، في أثناء انتظار وصول الأستاذ، أن يحكي كلُُّ واحد منا حكايةً، سمعها أو قرأها أو اخترعها هو. نال اقتراحي القبول.

          ابتدأ الأول بحكايةٍ سمعها، كما قال: ذات مرة وفي أحد البلدان البعيدة جدًا، آخر الدنيا، كانت تعيشُ عائلةً متواضعةً وهي أقرب إلى الفقرِ. يعمل الأبُ عند أغنياء المزارعين، والأم تخدم في البيوتِ عند العائلات الثريّةِ. ولهما ابنةً اسمها «زهراء»، هي جميلةٌ ولطيفةٌ ومطيعةٌ لوالديها اللذين عندما يخرجان كل صباح لعملهما تبقى وحدِها ترتّب المنزلَ وتهيئ الطعامَ.

          ذات مرة، طُرق البابُ. فتحته، رأت شابًا وسيمًا جميلاً بثيابٍ الملوكِ والأمراءِ، اندهشت وقالت: نعم، ماذا تريد يا سيّدي؟ هو أيضًا اندهش بجمالِ زهراء، أجابها مبتسمًا: إني أبحثُ عن شيءٍ، لا أعلم ما هو، وصلتُ راكبًا حصاني هذا، وشعرتُ أنه بحاجةٍ إلى الماءِ، كذلك أنا. قالت زهراء: سأعطيك ماءً لك ولحصانكِ، عندما شربا، شعرت زهراءُ أن الشابَ راغبٌ في التحدِّثِ إليها، دعته للاستراحةِ في دارها المتواضعة، شكرها ودخل، وبقي طويلاً وهو يحكي لها أسفارَه في الوديانِ والجبالِ، ويقصُّ عليها ما رأى من ناسٍ وشعوبٍ، إلى أن عادت الأمٌّ من عملِها ورأته في المنزلِ، استغربت بعد أن سلّمت عليه وسألت: مَن يكون زائرنا الكريم؟ أجابتها ابنتُها وقصّت عليها ما حدث. ثم نظرت إلى الشابِ سائلةً إياه: قلت إنك تبحث عن شيءٍ.

          ما هو هذا الشيء يا تُرى؟ هل أخبرتنا به. في ذلك الوقت، عاد الأبُ من عملِهِ، وكان استغرابُهُ مشابًها لاستغرابِ زوجته عند رؤية هذا الشاب الأنيق الجميل في بيتهِ، ثم عادت زهراء تسأل، ما هو هذا الشيء الذي تبحث عنه؟ قال الشاب: اسمحوا لي أن أقدّم نفسي، أنا أمير مملكة بعيدة عن بلادكم، مررت بالجبالِ والوديانِ والأنهرِ والصحارى بحثًا عمّا طلبه مني أبي الملك، قال لي: اذهب وابحث عن شيءٍ أنت تختاره، وقد مررتُ ببلدانٍ كثيرةٍ ولم أر شيئًا يرضيني. هنا ظهرت على محيّاه ابتسامةٌ، تابع قائلاً: لم أجدْ شيئًا بل وجدت فتاة ما إن رأيتها حتى تعلّق قلبي بها. قالت الأم: أين وجدت هذه الفتاةَ؟ قال: وجدتها بالقربِ من هنا، بل هنا. قال الأبُّ: هنا؟ أين؟

          أشار الشابُ إلى زهراء ثم قال: أمنيتي أن تبادلني شعوري لتكون رفيقة حياتي. وقصرنا تنقصه أميرةٌ، وأنا وجدتها الآن.

          هنا، دخل الأستاذُ وقال: تابعوا حديثكم.

          تابع الطالبُ حكايتَه وقال: وباختصار أرسل الملك قافلةً مؤلفةً من خمسين فيلاً محمّلةً بالهدايا والثيابِ الثمينةِ والأكلِ والشرابِ وكل ما يتمنّاه الإنسان، تحوّلت القريةُ إلى عرسٍ دام أسبوعًا، أقيم الزفافُ والغناءُ والعزفُ على آلاتٍ موسيقيةٍ لم ترَ  القريةُ مثلها من قبلٍ، وراحت الفتيات الصغيرات اللواتي رافقن القافلةَ وبثيابهن المزركشة الملونّة بتلك الألوان المفرحةِ، رحن يرقصُن ولا يتوقفن عن الرقصِ والغناءِ.

          عندما انتهى الأسبوعُ، حملت القافلةُ الأمَّ والأبَ والأميرَ والأميرةَ زهراء على الحصانِ، ومشت القافلةُ ترافقها الزغاريدُ.

          هنا قاطع الأستاذُ الطالبَ قائلاً: الآن وقت الدراسةِ. فردَّ الطلابُ بصوتٍ واحدٍ وهم يضحكون: لم يبقْ من الوقتِ سوى دقائق، عندها دُقَّ الجرسُ معلنًا انتهاء أول ساعة دراسة.

 


 

أنجلينا أورياتا