أدباء الغد

أدباء الغد
        

القطُّ وحَوْضُ السَّمكِ

          هُناكَ قطٌّ يُدْعَى فُوفُو يَعِيشُ فِي مَنْزِل رَجٌلٍ غَنِيٍّ عِيشَةً هنيئَةً وَيَأْكُلُ طَعَامًا صِحِّيًا وينعمُ بالاعتناءِ والدَّلاَلِ.

          ذاتَ يومٍ أحضرَ صاحبُ المنزلِ بوقالاً (حوض سمك) فيه أسماكٌ متنوّعةٌ، ألوانُها جميلةٌ وأخذَ يعتني بها يومًا بعد يومٍ.

          عند ذلك شعرَ القطُّ فوفو بأن سيدهُ لمْ يعد يحبُّهُ فانتابته غيرةٌ شديدةٌ من تلكَ الأسماكِ. قررَ القطُّ فوفو أن يتخلصَ من السمكَ دون أن يتفطَّنَ له أحدٌ.

          وفي أحدِ الأيام بعدَ أن خرجَ صاحبُ المنزلِ اغتنمَ فوفو فرصةَ غيابِهِ واقترب من البوقالِ بنيّةِ إسقاطِهِ على الأرضِ. فجأةً قدم الخادمُ لإطعامِ السمكِ وتفطّن إلى القطّ. عندها هربَ فوفو وغادر المنزلَ.

          وفي المساءِ، عادَ السيدُّ من عملِهِ، فقصَّ عليه الخادمُ ما حدثَ، فخرجَ ليبحثَ عن فوفو فوجده مختبئًا في الحديقةِ فحمله بين ذراعيه ومسح على شعرِهِ ثم أعادَه إلى المنزلِ.

          ندِم القطُ على صنيعِهِ وأصبح منذُ ذلك اليومِ يحمي بُوقالَ السمكِ.

أَشْرَف الشَّابي - تونس

لا تغل يدك ولا تبسطها كل البسط

          في قريةٍ بعيدةٍ وجميلةٍ، كان هناك تاجرُ أقمشةِ جوال، يجوبُ كلَّ القرى والمدن ويبيعُ الأقمشةَ، وكانت لديهِ أسرةً مؤلفةً من زوجةٍ وطفلٍ اسمه عامر وطفلةً صغيرةً اسمها ريم.

          ولقد كان رجلاً صالحًا وتقيًا، ولطالما كان يردد في نفسِهِ القولَ المأثور «اطلب العلم ولو في الصينِ» ولأنه كان يحبُّ العلمَ كثيرًا، قرّر أن يرسلَ ولدَه عامر إلى مدرسةِ المدينةِ الكبيرةِ، ولطالما حلم أن يصبح ولده مهندسًا أو طبيبًا.

          وهكذا بدأت رحلةُ عامر الصغير عندما قال والده ذات يوم: يا بني، سأرسلك غدًا إلى المدينةِ وستقطن عند أناس أعرفهم في منزلٍ قريبٍ من المدرسةِ حيث ستتعلم الرياضيات والأدب والقرآن الكريمِ، وأريد منك أن تكون مهذَّبًا ومجتهدًا. قال عامر: نعم يا والدي.

          وفي الصباحِ الباكرِ، ودّع عامر أمَّه وأختَه وذهبَ إلى المدينةِ برفقةِ والده، وعندما وصلا إلى المنزلِ المقصودِ، استقبلهما صاحبُ المنزلِ بالترحابِ وقال وهو يسلّم على عامر: ستكون واحدًا من أفرادِ أسرتي فوالدك صديقٌ وأخٌ عزيزٌ.

          سُرَّ عامر بكلامِ السيد كثيرًا، وبعد قليل من الزمنِ، وقبل أن يعود والد عامر إلى قريتهِ قال: يا بني، خذ هذا المبلغ من المالِ واحتفظ به لعلك تحتاج إلى شيء ما، فتشتري حاجتَك، وسآتي كلَّ أسبوع للاطمئنانِ عليك.

          وهكذا أصبحَ عامر طالبًا في مدرسةِ المدينةِ التي أدهشته بكثرةِ محلاّتها التجاريةِ، وتنوع بضائعها، فراح في اليوم الأول من المدرسةِ يشتري كل ما لذ وطاب، ولم يشعر إلا وقد نفدت منه النقودُ، ولم يعد يمتلك قرشًا واحدًا، والمفاجأةُ الكبرى كانت عندما طلب المعلم من التلاميذِ إحضار الأقلام والدفاتر وأدوات الهندسةِ والممحاةِ والمبراة، عندها شعرَ عامر بأنه قد ارتكبَ خطأً كبيرًا، فعاد إلى المنزلِ حزينًا مطرقًا رأسه.

          وعند دخوله المنزل، رآه صاحبُ المنزلِ على حالِهِ، فقال له: ما بك ياعامر، لم أنت حزينٌ هكذا، هل أصابك مكروهٌ لا سمح الله؟

          ارتبك عامر قليلاً ثم قال: لقد طلب المعلم مني شراء أشياءَ للمدرسةِ ولا يوجد معي نقود.

          قال السيد: لقد أعطاكَ والدكَ نقودًا، فهل فقدتها.

          قال عامر: لقد أنفقتها جميعًا.

          قال السيد: لا عليك يا بني سأعطيك ما تريد، لكن بشرط واحد.

          قال عامر: ما هو؟

          قال السيد الطيب: أن تحفظ الآيةَ الكريمةَ التاليةَ: بسم الله الرحمن الرحيم ولا تَجعل يَدَكَ مغلولةً إلى عنقِكَ ولا تَبْسُطها كلَّ البسطِ فتقعدَ ملومًا محسورًا . صدق الله العظيم.

          راح عامر يكرّر الآيةَ الكريمةَ حتى حفظها عن ظهرِ قلبٍ. ثم قال لصاحبِ المنزلِ: أعدك يا سيدي بألا أكون مبذّرًا أبدًا، وأرجو أن تسامحني وأرجو أن يسامحني والدي على ما فعلت.

          ضحك السيد بسرورٍ وربت على كتفيّ عامر وهو يقول له : سيسامحك الله يا بني، وسيسامحك والدك، أنت ولد صالحٌ وذكيٌّ.

          وهكذا عاشَ عامر حياةً صالحةً وكبر وكان من المجتهدين، وأصبح مهندسًا زراعيًا وعاد إلى قريتِهِ الحبيبةِ ليقدم خبرتَه للفلاحين من أهالي قريتِهِ وجميع القرى المجاورةِ. 

فينوس ناجح الحمود - سورية