أمنية عروسة قطنية!

أمنية عروسة قطنية!
        

رسوم: صلاح بيصار

          كانت زينة لاتفارق عروستها القطنية التي أهداها لها جدها في عيد مولدها السابع. فقط كانت تتركها وحيدة عندما تذهب الى المدرسة بعد ان تضعها على الكرسي الصغير.

          العروسة القطنية تضايقها جلستها وحيدة، فلا أحد يلاعبها أو يأخذها في حضنه.. ولا تشاهد برامج الكرتون التي كثيرًا ما يذيعها التلفزيون عندما تكون مع صاحبتها زينة. إنها ساعات تمر بطيئة حيث تشعر بالملل والوحدة.

          في بعض الأيام تمنت العروسة القطنية أن تدب الحياة فيها، فتستطيع تحريك قدميها، فيمكنها المشي إلى النافذة. تفتحها لتنظر منها وتتفرج على الشارع والناس والأولاد وهم يلعبون، وهي تؤكد لنفسها أنها لن تتعب لو ظلت واقفة على الشباك تراقب الشارع لرؤية صاحبتها زينة وهي تنزل من باص المدرسة. ولكن سرعان ما اكتشفت أن أمنيتها صغيرة. إنها تحلم بشيء أكبر. «اذن ليتني أصبح عصفورة!».. هكذا همست العروسة القطنية لنفسها، ثم سرحت وكأنها تتمنى أمنية أخرى.

          قالت:

          ـ آه لو كنت عصفورة، كنت سأحب السكن في حديقة مملوءة بالورد والأشجار، وعصافير وطيور أخرى مختلفة، وبالتأكيد كنت سأكره الحياة داخل قفص!.. لأنني سمعت الكبار يتحدثون عن «القفص» على أنه شكل من أشكال السجون، أي الحبس في مساحة ضيقة، تحدد حرية الذي يعيش في داخله فلا يأكل مايريده.. ولا يأكل ما يحبه.. ولا يلعب ويظل دائمًا في حالة خوف.

          ومرة أخرى وهي لاتزال في حالة السرحان - قالت وكأنها تتشاجر مع أحدهم:

          - العصفورة كائن جميل ولكن للأسف ضعيف.. ويجب أن تكون أمنيتي القوة..أي شيء، كائن قوي، لأنني سمعت بعض البني آدمين الكبار يقولون: «عندما تكون قويًا يخافك الجميع ويعملون لك ألف حساب!».

          فكرت العروسة القطنية في ما قالته لنفسها.. وبدأت تهدأ قليلاً وهي تفكر في ما تحب أن تكون عليه لحظة وهتفت: «آه أتمنى أن اصبح اسدًا!».. «ولكن الأسد حيوان مفترس!».

          هكذا همست لنفسها وهي ترتعش، فهذه المعلومة عرفتها من صاحبتها زينة ومن برامج عالم الحيوان التي يذيعها التلفزيون، ولكنها في قرارة نفسها تمنت أن تصبح أسدًا طيبًا غير مؤذ.. لايفترس الحيوانات الأقل قوة منه. مرة أخرى سرحت فما سمعته من زينة مرة وهي تؤكد «أنه لايوجد بعد الأسد الطيب» «كل الأسود مفترسة» لهذا أبعدت أمنية أن تصبح أسدًا من أحلامها وتفكيرها وعادت تتخيل الشيء الذي تريد أن تكون عليه، فقفزت من شدة حماسها -من فوق الكرسى، ووقعت على الأرض. توجعت قليلاً. حاولت الوقوف لتعود إلى جلستها حيث تركتها زينة. ولكنها لم تستطع، وأثناء ذلك تجددت تخيلاتها في أمنية أخرى. تمنت أن تصبح فيلاً ضخمًا تحترمه الحيوانات لحجمه الضخم وقوته.. ولكنها ترددت، خافت ان يمسك بها أحد الصيادين الذين يطاردون الفيلة ويقومون بصيدها لبيعها لحدائق الحيوانات المنتشرة في العالم، وبالتاكيد ستشعر بالألم الشديد لو حاول أحدهم الحصول على انيابها العاجية التي تباع بأثمان غالية، ولهذا السبب استبعدت تلك الأمنية، ورضيت بأمنية بسيطة لا تسبب الأذى.. أو الضرر بأحد على الإطلاق لو تحققت.

          كانت الامنية البسيطة التي تمنتها العروسة القطنية أن تصبح دجاجة.. دجاجة رشيقة الحركة. ريشها ملون، ولها عرف احمر صغير على رأسها يشبه التاج الصغير لكي تكون مميزة وسط غيرها من الدجاج.

          فرحت بالأمنية وستفرح أكثر لو تحققت . سرحت ودارت في راسها بعض الصور وهي تتقافز بين زميلاتها الدجاجات.. «آه.. وأيضا سأضع بيضة كل يوم يسعد بها طفل صغير!» زادت سعادتها. فجأة فكرت وهي تحدث نفسها: «ولكن ماذا لو فقدت القدرة على وضع البيض!».. أجابت عن سؤالها مؤكدة: «سيكون مصيري أن أصبح وجبة لذيذة لأي أسرة على مائدة الغداء!».. ثم همست في ضيق: «لا.. هذه ليست أمنية.. انها مغامرة.. ومغامرة طائشة، وغير مضمونة».

          كان على العروسة القطنية أن تفكر من جديد في أمنية أخرى. استرجعت في رأسها صورًا كثيرة لحيوانات وكائنات مختلفة، توقفت عند صورة الزرافة التي كثيرًا ما شاهدتها في برامج التلفزيون، قالوا عنها إنها غير مؤذية. وديعة.. وليست مفترسة أو مشاغبة، أو عدوانية مع غيرها من زملائها.

          مرت لحظات وهي تناقش الفكرة مع نفسها، اكتشفت ان الزرافة طويلة الحجم.. وهذا ما سيمنعها من اللعب مع الحيوانات غير المفترسة لأنها كلها قصيرة، باستثناء الجمل.. والفيل ؛ ولذلك سيكون عدد الأصدقاء قليلاً، وأحست أنها لن تكون سعيدة لو تحققت هذة الأمنية!!. «ماذا أفعل!!» سالت نفسها وأكملت: «لماذا لن أكون سعيدة!» أجابت: «لأنني أريد أن أكوِّن الكثير من الأصدقاء، نتبادل الزيارات، واللعب، والافكار معهم».

          مرة أخرى شعرت بالحيرة.. اختيارات أمنيتها لم تعجبها حتى الآن. أنصتت لصوت قادم من الخارج: «نو نو نو.. نو». فرحت.. إنها قطة. فهل تمنت أن تصبح قطة؟!.. هزت رأسها بشدة علامة الرفض، وتذكرت أن القطط تأكل الفئران وهذا شيء مقرف.. وفضلات الأسماك المملوءة بالأشواك. وعندما اصاب الياس العروسة القطنية، تمنت أن تصبح حمــارًا. «لا.. لا» همست لنفسها، وهي تعلم أن الحمار حيوان مظلوم، حيث يعامله البشر معاملة سيئة، ويتهمونه بالغباء الشديد، كما يستخدمونه في جر العربات.. أو العمل الشاق في الحقول. «إذن أنا لم تعجبني أي أمنية من الأمنيات التي فكرت ان اكون غير نفسي لو تحققت!»، قالت جملتها هذه وهي تحاول الوقوف لتجلس على الكرسي الذي كانت تجلس عليه فلم تتمكن، فمدت قدميها وحاولت النوم قليلا في انتظار عودة صاحبتها زينة من المدرسة.

          مرت لحظات حاولت أن تعاود التفكير في أمنية جديدة تتمناها.

          أحست برأسها فارغًا مثل كوب اللبن بعد أن تشربه زينة.

          وقبل أن تروح في النوم، فوجئت بدخول زينة مهرولة وهي تحاول التخلص من شنطة المدرسة التي تحملها على ظهرها، وبدأت في إخراج كتبها ووضعها على المكتب لكي تذاكر واجباتها بعد الغداء.

          لكنها لمحت عروستها القطنية على الأرض، فأسرعت إليها وحملتها بحنان وأجلستها على الكرسي في الوضع الذي كانت قد تركتها عليه قبل ذهابها إلى المدرسة. «آه.. قدمي تؤلمنى» قالتها العروسة القطنية وهي تبكى. مسحت زينة دموعها وأخبرتها أنها ستطيب بعد أن تجلس على الكرسي وسينتهي الألم.

          زاد بكاء العروسة القطنية وهي تقول في صوت ضعيف:

          «ليس هذا هو السبب فقط.. فكثيرًا ماوقعت من على الكرسى».

          «إذن ما السبب الآخر غير سقوطك من على الكرسى!» قالت زينة مستفسرة،.. حكت العروسة ماحدث في غيابها، وأنها من شدة إحساسها بالوحدة تمنت أمنيات كثيرة، ولكنها لم تعجبها وهي الآن حائرة.. ثم عادت للبكاء مرة أخرى.

          ربتت زينة على رأس عروستها القطنية ومسحت دموعها وهي تسالها:

          « لماذا تمنيت أن تكوني غير ما أنت عليه؟!»

          أجابت العروسة:

          لأنني في وقت غيابك لا أجد من ألعب معه.

          «لا داعي للبكاء والحزن» قالتها زينة ثم أكملت:

          «غدًا سنذهب إلى محل اللعب، وأنت بنفسك ستختارين اللعبة التي تؤنسك، وتتسلين بها، وتلعبين معها في غيابى».

          العروسة القطنية فرحت، ومن شدة فرحها لم تنم تلك الليلة، وحاولت أن تفكر في اللعبة التي ستختارها غدًا، ولكنها فشلت في تحديد ما تريده.

          بعد الغداء أخبرت زينة والدها بما حدث، ووافقها أن يذهب معها غدًا، وخصوصًا أنه تصادف يوم إجازة.

          في اليوم التالي حملت زينة عروستها القطنية وذهبت مع والدها الى محل اللعب. المحل كان مملوءًا بحيوانات قطنية كثيرة: دببة في أحجام وألوان مختلفة.. وفيلة، وأسود، ونمور وجمال وأبطال أفلام الرسوم المتحرِّكة.. والطيور والسيارات. ولكن العروسة لم يعجبها شيء.

          فجأة شاهدت على أحد الرفوف عروسة قطنية لولد ملامحه جميلة، ووجهه مضيء كالقمر، يجلس حزينًا وكأنه يفكر في شيء «يا ترى في ماذا يفكر هذا الولد القطنى!» سألت العروسة القطنية نفسها ولكنها فشلت في معرفة السبب.. وتخيلت أنه ربما يكون مثلها يتمنى امنية ما. نبهت صاحبتها زينة أن تقترب منه. نظرت العروسة القطنية الى عينيه «غريبة!» همست العروسة لنفسها واكملت: «وكأنه يرجوني ويتمنى أن نصبح صديقين» وعندما التفتت بوجهها بعيدا عنه، أحست وكانه يناديها بلهفة: «أرجوك.. انقذينى!».. فعادت تتأمله. قرأت في عينيه دموعا على وشك السقوط.. فقالت لصاحبتها زينة وهي تشاور عليه:

          - أشعر بأن هذا الولد القطني سيكون مناسبًا لي كصديق ألعب معه.

          فرحت زينة بما اختارته عروستها.. واشترت الولد القطني الذي كان سعيدا وهو يحرك ذراعيه.. يلوح بهما كأنه يريد أن يقول شكرًا.

          في لحظة.. اختفى الحزن من الولد وارتسمت ابتسامة على شفتيه بعد أن أجلسته زينة بجوار عروستها القطنية التي بدت سعيدة.

          في اليوم التالي أحس كل منهما بدفء الصداقة وهما يتبادلان الكلام ويحكيان عن حياتهما السابقة ويتضاحكان.

          ذات ليلة وبعد ما فرغا من اللعب والحكي سألت العروسة القطنية الولد القطنى:

          - هل أنت راض هنا ؟

          - نعم وأشعر كأنني ولدت في هذا المنزل.. ولكن..

          - ماذا؟

          - أشعر أنه ينقصنا شيء ما.. شيء لا أعرف ماهو بالضبط؟!

          ردت العروسة القطنية قائلة:

          - انا أعرف!!

          - تعرفين؟!

          قالت العروسة القطنية في ثقة:

          - أعرف أنه بعد أن أصبحت أنا وأنت صديقين، فهي البداية لتكوين أسرة صغيرة!

          سكتت العروسة القطنية ثم قالت:

          - ألا ترى معي أنه يمكننا أن نزيد عدد أفراد أسرتنا!

          رد الولد القطني مستفسرا:

          - نعم إنها فكرة مدهشة.. ولكن كيف!.. أنا لا أعرف!

          قالت العروسة القطنية:

          - نخبر صاحبتنا زينة بالفكرة.. وأعتقد أنها سترحب بها!

          وعندما أخبرا زينة، أعجبت بالفكرة ورحبت بها.. وذهب الجميع الى محل اللعب. اختاروا عروسة قطنية لها ملامح الام والحنان في نظرتها تفيض بالرقة والحب وكذلك انجذبوا في اتجاه رجل قطنى، يوحي من شكله أنه يصلح أن يكون أبًا.. وفي يوم آخر ذهبوا إلى محل اللعب نفسه، وعند أحد الأركان أشارت بيدها.

          نظر الجميع.. كان على أحد الرفوف رجل قطنيا شعره بلون الحليب.. وبجواره امرأة قطنية لها نفس الشعر الأبيض، فهتفت زينة:

          - هكذا تكتمل الأسرة.. انهما الجد.. والجدة.

          وفي منزل زينة كانت أسرة اللعب القطنية تتجمع كل ليلة بعد ان ينام أصحاب المنزل، فيسهرون حتى الصباح في اللعب.. وسماع حكايات الجد والجدة.. ثم ينام الجميع، وفي الصباح يودعون زينة الى المدرسة، وعندما تعود، وتنتهي من واجباتها المدرسية، تبدأ في الانضمام إليهم.. ومشاركتهم في ألعابهم.. والاستماع الى حكي الجد القطني والجدة.. وكثيرًا ما كانت تختار بعض الحكايات من كتبها فتحكيها لهم.

          وذات يوم سالت زينة عروستها القطنية:

          - أخبريني هل أنت سعيدة؟!

          أجابت العروسة وهي تشاور على عائلتها:

          - نعم.

          ثم وضعت وجهها في اتجاه الأرض بعد أن وضعت رأسها على صدرها وقالت:

          - إنني خجلة من نفسى.. وأعترف لك يازينة أنني وقعت في خطأ كبير عندما تمنيت ذات يوم، وفكرت أن تتحقق الأمنية وأن أصبح على غير ما أنا عليه!

          هنا تدخلت الجدة القطنية التي سمعت الكلام وهي تقول:

          - يجب أن يكون كل شىء هو نفسه.. وألا يكون شبيهًا لكائن آخر حتى لو كان أفضــل منه. عـليه فقط أن يحسّن حيــاته ويجمّل روحه.. ويسعــى إلى التفكير في أن يكون هو نفسه، هو الأفضل.. وليس شبيها لأحد.

 


 

مجدي نجيب   

 




غلاف هدية العدد