الأنف الثقيل

الأنف الثقيل
        

رسوم : عفراء اليوسف

          قالت له أمُّه:

          - لا تعبثْ بأنفك، يا سمعان!

          قال متعلِّلا:

          - ولكنه مازال يدعوني إلى أن أحكّه، يا أمي؟

          قالت وكأنها تمازحه:

          - لا تستجبْ.. لدعوته!

          كانت «حبّةٌ» صغيرة قد ظهرت على أرنبة أنفه في الصباح. وعند الظهيرة احمرّت الحبّة وكبِرت. لاحظت أمُّه ذلك، فتوجّهت إليه بنُصحها. كانت عندهم، في المساء، صديقةُ أمّه، الجارة «أم عبده»، التي يراها سمعان تثرثر كثيراً، قالت تتوعّده:

          - إذا أنت ظللت تعبث بأنفك، فإنه في الليل يكبُر ويضخُم، وعند الصباح تحتاج إلى اثنين يساعدانك في حمله وأنت ذاهب إلى المدرسة!

          لم تَرُقْ له النكتة، التي جعلته يتصوَّر نفسه يمشي بين اثنين من رفاقه، وهما يتعاونان في حمل أنفه الثقيل.. وأما أمّه، فقد أتت بلصيقة ووضعتها على أنفه، وهي تقول:

          - انتبهْ أن تنزعها، وأنت نائم.

          في الليل أراد أن يتحوّل، وهو في سريره، من جانب إلى آخر. وجد رأسه ثقيلاً. وبعد أن بذل جهداً كبيراً في أن يُدير رأسه إلى الجانب الآخر تساءل، وهو بين النوم واليقظة، عن سرّ هذه الصعوبة، أخرج يده من تحت اللحاف، وتلمّس وجهَه، فاصطدمت يده بأنفٍ لم يكن يتصوّر أنه أنفُه: وجده كبيراً، وكبيراً جداً، جداً جداً! فتملّكه الخوف: كيف أمكن لأنفه أن ينمو، في أثناء النوم، أن يصيبه الوَرَم، حتى غدا بهذا الحجم الهائل؟!

          راوده الظنّ بأنه في حُلم. فجلس في سريره، ودلّى ساقيه إلى الأرض يريد أن يغادر السرير. وإذا به يميل برأسه إلى الأمام! قَرَصَ ساقَه، قرص زنده، يريد أن يخرج من قلب الحلم.. ولم يجرؤ على لمس أنفه.

          عندما نهض، مال جسمه كلُّه إلى الأمام، حتى أوشك أن يسقط على بلاط الغرفة فيتحطّم هو وأنفه الكبير، فاضطرّ إلى أن يعود برأسه إلى الوراء حفظاً للتوازن!

          خطا في الغرفة خطوتين. أشعل النور.

          وأمام المرآة رأى أنه بات يحمل أضخم أنف في العالم. وأيقن أنه ليس في حلم. كيف يذهب في الصباح إلى المدرسة؟ ماذا يقول رفاقه عنه؟ كان يعبث بالحبّة التي عَلَتْ أرنبةَ أنفه!

          أطلق صرخةً ارتجّ لها البيت:

          - أمي! أبي! إخوتي! أغيثوني...

          فهُرِع إليه كلُّ من في البيت مذعورين.

          لم يجدوه أمام المرآة، لا ولا جالساً على طرف السرير مدلِّياً ساقيه إلى الأرض. رأوه مندسّاً تحت اللحاف، لا يظهر منه إلاّ شعر رأسه، وكان يُسمَع منه صريفُ أسنانه وهي تصطكّ.

          كشفت أمُّه عنه اللحاف:

          - سمعان، حبيبي، هل أنت بخير؟

          فتح عينيه. رأى أمَّه منعطفةً عليه، وخلفها أبوه، ويحيط به إخوته الصغار والكبار من كل جانب.

          تشجّع، ومدّ يده يتلمّس أنفَه: لم يجده ثقيلاً، ولا كبيراً، ولا بغيضًا.

          قال مُغمغما:

          - أمي! صاحبتك أم عبده هذه... لم أعد أحبّها!

          انتزعت أمُّه بإصبعيها اللصيقة العالقة بالمخدّة، وقالت:

          - ألم أقل لك: لا تعبثْ بأنفك، يا سمعان!، وأنت لا تسمعني! وهذه اللصيقة كيف انتقلت إلى هنا؟

          وذهب إلى المدرسة من دون أن يحمل اثنان أنفَه. وأما الحبّة، فقد بدأت تَخِفّ، لأنه كفّ عن أن يمدّ يده ليتلمّسها.

 

 


 

فاضل السباعي