أَحْلى مِنَ الحَياةِ.. عفاف حنوف

أَحْلى مِنَ الحَياةِ.. عفاف حنوف
        

رسم: رانيا أبوالمعاطي

          ملاحقة الحشراتِ الصغيرةِ إحدى الهواياتِ المفضلة لدى «حياة» الطفلة الناعمة ذات السنواتِ السبع، والتي لم تكن تكتفي بالبحث عن الحشرات في حديقة المنزل، بل كانت تُخْرج هذه المخلوقاتِ الصغيرةَ من بيوتها وأوكارها وتمسكها بين راحتي كفيها لتنتزع أجنحة الفراشات الملونة، وأرجل النملات العاملات، وقرون الاستشعار من حشرات أخرى، حتى الحلزونات المسكينات عرضة للأخطار الخارجية دون حماية منزلها.

          وبعد أن زاد الأمر على حده، قررت الحشرات التضامن والاجتماع معاً والتوجه نحو حارسة الطبيعة لتقديم شكوى وشرح كل تصرفات «حياة» المؤذية، فما كان من حارسة الطبيعة إلا أن وعدت الحشرات بحل الأزمة سريعاً، حمايتهن من أذى طفلة كل ما تفكر فيه اللعب والتسلية بأذية الآخرين.

          استيقظت حياة في أحد الصباحات، وقبل أن تغسل وجهها وتنظف أسنانها أسرعت إلى حديقة المنزل باحثة عن حشرة ما لتنتزع لها أجنحتها وأرجلها.

          دخلت الحديقة حافية القدمين كعادتها في كل صباح، فكادت تتعثر بزهرة ياسمين بيضاء!

          ذهلت لما رأت فالياسمين زهر صغير، لكن هذه كبيرة جداً!

          «هكذا قالت في نفسها» ركضت في أرجاء الحديقة، وتساءلت خائفة: لماذا أصبح كل شيء في الحديقة عملاقاً؟!

          فإذا بصوت ناعم وهادئ يخرج من بين الأزهار ليقول لها :

          - صغيرتي، الأزهار لم تكبر، بل أنت من تقلص حجمك حتى أصبحت بحجم نملة صغيرة جدًا، استدارت «حياة» باتجاه الصوت فرأت ساحرة جميلة ترتدي فستاناً أخضر مضيئاً، تطير في الهواء بجناحين فضيين يلمعان كالنجوم،

          - سألتها حياة «باستغراب»: من أنت؟ وماذا تريدين مني؟

          - أنا حارسة الطبيعة، ولست أنا من يريد منك شيئاً، بل انظري حولك، فكل هؤلاء الحشرات لديها حساب قديم معك وعليك تسويته معهم، نظرت الصغيرة برعب إلى يمينها وشمالها وخلفها، صرخت بصوت عال وهي تكاد تسقط على الأرض : أنتم حشرات عملاقة، ماذا تريدون مني، هل  تريدون أذيتي لأنني صغيرة وأنتم كبار الحجم؟!

          اقتربت منها فراشة عملاقة قائلة : أنا أريد أن انتزع يديك كما انتزعت أجنحتي وأصبحت عاجزة عن الطيران وتناول العسل، بينما قالت نملة سوداء عملاقة أخرى: أما أنا فأريد انتزاع أرجلك كما فعلت بي حتى أصبحت غير قادرة على العمل وتأمين مؤونة الشتاء؟

          وهنا تدخلت دودة كبيرة، اقتربت من «حياة» ببطء شيئا فشيئاً وهي تقول : أما أنا.. وهنا صرخت حياة هاربة : لا، ابتعدوا عني، أرجوك يا حارسة الطبيعة لا تدعهم يؤذونني فأنا لم أكن أقصد، ولم أكن أعرف إن للحشرات أحاسيس ولديها عملاً مهمًا في الطبيعة.

          مدت حارسة الطبيعة عصاها السحرية إلى حياة، وما كادت تلمسها حتى استيقظت فجأة من كابوس مخيف لتجد نفسها على سريرها وقد تجاوزت الساعة الثامنة صباحاً، لقد تأخرت في النوم على غير العادة.

          نهضت مسرعة من فراشها لتتأمل نفسها في المرآة، ويديها وعينيها وأرجلها، كل شيء في مكانه  ابتسمت ناظرة إلى السماء قائلة:

          الحمد لله، لن أعيدها ثانية.

 


 

عفاف حنوف