مَن أكلَ البطاطِسَ؟!

مَن أكلَ البطاطِسَ؟!
        

رسم: حلمي التوني

          مصطفى هو أصغرُ أفرادِ الأسرةِ... لهذا كانَ أخواه ووالداه ينادونه «صفصف». كان لـ «صفصف» شقيقٌ وشقيقةٌ يكبرانه في العمرِ، أمينة ومحمود. أقبلت أيامُ رمضان ولياليه المباركةِ وبدأ الجميعُ يستعدُّ للصيامِ.

          قال «صفصفُ» لوالدتِهِ: إن عمري الآن سبعُ سنواتٍ، وأنا تلميذٌ في الصفِّ الأولِّ الابتدائي، وأعتقدُ أنه من المناسبِ أن أصومَ أيامَ رمضان هذا العامِ.

          قالت له أمّهُ: طبعًا يمكنك أن تصومَ يا «صفصف».. لكن يجب أن تتناولَ طعامَ السحورِ معنا، واحذر أن تشعرَ بالتعبِ أو الجوعِ الشديدِ.. فأنت مازلت صغيرًا ويمكنكَ أن تفطرَ إذا أحسست أنه من الصعبِ عليك إتمام اليوم صائمًا.

          جرى «صفصف» إلى حيث كان أخواهُ وقال لهما: لقد سمحت لي أمي بالصيامِ هذا العام وسأقوم وأتناول السحورَ معكما.

          شجعت أمينة أخاها كما هنأه محمود على هذه الخطوةِ المهمةِ في حياتِهِ، فقد أصبح إنسانًا مسئولاً وعليه أن يصومَ مثل الكبارِ.

          في موعدِ السحورِ، أيقظت الأمُّ «صفصف» ودعته لمشاركة الأسرةِ  طعامَ السحورِ.. أكلَ «صفصف» طبقًا من الفولِ وبعض السلطة والزبادي وقال له والدهُ: يجب يا «صفصف» أن تشربَ كميةً مناسبةً من الماءِ حتى لا تشعر بالعطشِ الشديدِ.

          بعد الانتهاءِ من السحورِ انتظرت الأسرةُ قليلاً حتى ارتفعَ أذانُ الفجرِ، فقاموا جميعًا للصلاةِ ثم ذهبَ كلُّ منهم إلى فراشِهِ.

          وفي الصباحِ، ذهبَ «صفصف» إلى المدرسةِ، وكان يقظًا ونشيطًا طوال اليومِ، ولم يشعرْ بالجوعِ أو العطشِ.

          وبعد انتهاء اليوم المدرسي انضمَّ «صفصف» إلى مجموعةٍ من أصدقائهِ الذين انقسموا إلى فريقينِ لكرةِ القدمِ.

          كانت المباراةُ عنيفةً، واللاعبون يجرون هنا وهناك، وكان «صفصف» شديدَ الحماسِ لفريقِهِ، يهتفُ بأعلى صوتِهِ.. جون.. جون.

          ولما انتهت المباراةُ حمل «صفصف» حقيبتَه عائدًا إلى المنزلِ، لكنه كان يشعر بالإرهاقِ الشديدِ والعطشِ، فقال في نفسِهِ:

          - ما كان يجب أن أشاركَ اليومَ في هذه المباراةِ، لقد نسيتُ أني صائمٌ.. وأن هذا هو أول أيام صيامي.

          عاد «صفصف» إلى المنزلِ مرهقًا متعبًا، ونظرَ إلى ساعةِ الحائطِ فاكتشفَ أن عليه أن ينتظرَ أربع ساعات أخرى حتى موعد الإفطارِ، فذهب إلى فراشِهِ وحاول أن ينامَ، لكنه لم يستطع، فقد كان الجوعُ يعض معدتَه.

          قام «صفصف» وحاول أن يقرأَ في كتابِ النصوصِ لكنه لم يستطعْ أن يجمعَ تركيزه في أي سطرٍ من سطورِ الكتابِ.

          قال في نفسِهِ، ليس هناك حلٌّ إلا التجوّل في أنحاء المنزلِ والتحدث مع أفرادِ الأسرةِ أو النظرِ من الشرفةِ لأتسلى بحركةِ الناسِ والسياراتِ في الشارعِ.

          دخل «صفصف» المطبخَ ليتحدث مع والدتِهِ فلم يجدْها، ورأى أنها قد أعدّت أصنافًا عديدةً لطعامِ الإفطارِ. رأى «صفصف» طبقًا من البطاطس المحمّر، كان البطاطسُ ذهبيٌّ وجميلٌ، ويبدو مقرمشًا. قال «صفصف» لنفسِهِ:

          - سآخذ قطعةً واحدةً فقط علّها تسكتُ جوعي.

          أخذ «صفصف» قطعةً واحدةً، فوجدها لذيذةً، فأخذَ ثانيةً ثم ثالثةً ثم رابعةً و.. و.. حتى أتى على نصف الطبقِ تقريبًا.

          مسح «صفصف» يدَه وفمَه وعاد إلى حجرتِهِ فنام نومًا عميقًا.

          قبل موعد أذان المغربِ، أيقظت الأم أطفالَها وساعدتها أمينة في تجهيز السفرةِ وساعدها محمود في حملِ الأواني والأطباقِ. لاحظت الأمُّ أن الكميةَ التي أعدتها من البطاطس المحمّر، قد نقصت كثيرًا، فمَن أكلَ البطاطس؟! إن كلَّ أفراد الأسرةِ صائمون، فمن يا ترى أكل البطاطس؟

          جلست الأمُّ والأبُّ ومن حولِهما الأبناء ينتظرون رفع أذان المغرب، قالت الأمُّ:

          - كان من الضروري أن أضع بعض الملحِ لهذه البطاطس، إنها تحتاج إلى بعضِ الملحِ، فاندفع «صفصف» قائلاً:

          - لا.. إنها لا تحتاج إلى مزيدٍ من الملحِ، إن ملحَها مناسبٌ جدًا، وانطلقَ مدفعُ الإفطارِ وارتفعَ الأذانُ وبدأت الأسرةُ في تناولِ طعامِ إفطارها.

          كانت الأمُّ تنظرُ إلى «صفصف» وهي تخفي ابتسامتها، بينما كان هو يشعرُ بالخجلِ كلما التقتْ عيناهُ بها.

          ساعد الأبناءُ والدتهم في رفعِ الصحونِ من على المائدةِ وحملوا باقي الطعام إلى المطبخِ.

          أنهت الأمُّ أعمالَها ثم دخلت غرفتَها ونادت «صفصف» وسألته:

          - لماذا فعلت ذلك يا «صفصف»؟

          صمت «صفصف» ولم يجب.

          فأعادت عليه السؤالَ، فاحمرَّ وجهُه وتندّى جبينَه بالعرق وتمتم وهو مطرق الرأس.

          - أنا.. أنا.. أنا.

          - إننا نصوم لله وحدَه وليس من أجلِ أحد، والله هو المطّلع على أفعالِنا، يعلم مَن يصوم ومَن لا يصوم. فلماذا يا «صفصف» تدعي أنك صائمٌ، بينما أنت مفطرٌ.

          أجابَ «صفصف» بعد صمتٍ طويلٍ.

          لقد أخطأت مرتين وليس مرة واحدة.

          الأولى عندما قضيتُ فترةً طويلةً في لعبِ كرةِ القدمِ بينما كان يجب ألاّ أفعل هذا وأنا صائمٌ.

          والثانية عندما أكلت وادّعيت أني صائمٌ.

          فهل تسامحينني يا أمي؟

          قالت الأمُّ: ليس المهم أن أسامحَك، المهم ألا تعود لهذه الأخطاء مرةً أخرى.

          واعلم أن الصومَ لله وليس لأحدٍ سواه.

 


 

سلوى العناني