حكاية من إنجلترا.. «ماشا» والكعكةُ الذَّكيَّةُ

حكاية من إنجلترا.. «ماشا» والكعكةُ الذَّكيَّةُ
        

ترجمة: د. إيمان سند
رسم: نجيب فرح

          كانت هناك بنتٌ صغيرةٌ تدعى «ماشا» تعيش مع جدتها في أطراف الغابة. وفي يوم من الأيام طلبت «ماشا» من جدتها أن تلعب مع أصدقائها خارج البيت.. وافقت الجَدةُ، ولكن حذرت ماشا من أن تقترب من الغابة وقالت لها: «هناك أخطارٌ كثيرةٌ داخل الغابة وحيوانات مفترسة يمكن أن تصيبك بأذى.. فالعبي أنت وأصحابك بعيداً عن طريق الغابة». طمأنت «ماشا» جدتها، وخرجت للعب مع أصدقائها.

          اقترح الأصدقاء أن يلعبوا لعبة «الاستغماية». تحب «ماشا» هذه اللعبة جداً، وهي تفوز فيها دائماً لأنها تجيد الاختباء. وفي هذه المرة توغلت «ماشا» داخل الغابة حتى لا يعثر عليها أصدقاؤها بسهولة.. وانتظرت طويلاً فلم يأت أحد من أصدقائها.. وفي النهاية وبعد انتظار طويل تركت «ماشا» مكان اختبائها وقررت العودة إلى بيتها. لكنها لم تعرف أي طريق تسلك فجربت طريقاً وطريقاً وطريقاً.. واكتشفت أنها ضلت طريقها فصرخت بأعلى صوتها:

          ا ل ن ج د ة .. ا ل ن ج د ة ... ولكن لم يأت أحد لمساعدتها..

          وفجأة ظهر أمامها دب ضخم قوي وناداها قائلاً: أيتها الفتاة الصغيرة.. ستأتين معي إلى منزلي.. أريدك أن تطبخي لي طعامي، وتغسلي لي ثوبي، وتنظفي أرضية منزلي.. ولكن «ماشا» أجابته قائلة: أنا لا أريد عمل أي شيء مما قلته.. أو ما يشبه ذلك، شكراً جزيلاً لك، ولكني أريد العودة لمنزلي.. فرد الدب: لا لن تذهبي.. ستأتين إلى بيتي، والتقطها الدب بمخالبه الضخمة القوية، ووضعها في بيته.

          والآن على «ماشا» أن تطبخ، وتنظف، وتغسل، وتنفض الغبار طوال اليوم. وقد كرهت كل ذلك وكرهت الدب الضخم القوي لذلك فكرت وأعدّت خطة؛ فقامت بخبز كعكة وقالت للدب: «دبي العزيز.. هل توافق على أن آخذ بعض قطع الكعكة لجدتي؟».

          فكر الدب بسرعة قائلاً لنفسه: أنا لست غبياً لأقع في خدعة كهذه.. إذا تركتها تذهب لجدتها فلن تعود إلى هنا ثانية.. وأخيراً أجابها الدب: لا لن تستطيعي الذهاب ولكن بإمكاني إيصال الكعكة لجدتك بنفسي.. قال ذلك وهو يفكر أن بإمكانه التهام كل الكعكة في الطريق هَـمّْ.. هَـمّْ.. هَـمّْ..

          قالت «ماشا»: حسناً.. سوف أضع الكعكة في تلك السلة، ولا تفكر في الأكل منها وأنت في طريقك لمنزل جدتي. لأنك لو فعلت ذلك سيحدث لك شيء سيئ للغاية.. قال الدب: بالطبع لن آكل من الكعكة.. وبمجرد أن استدار الدب، قفزت «ماشا» في السلة. وعندما عاد الدب أدراجه التقط السلة ومضى في طريقه.

          بعد فترة من الوقت أحس الدب بالتعب وخصوصاً أن السلة كانت ثقيلة جداً، لقد آلمته ذراعه فجلس على الأرض ليستريح، وقال: الآن جاء وقت أكل الكعكة.. فانطلق صوت «ماشا» من داخل السلة لتقول: لا تأكلني أيها الدب فأنا كعكة صغيرة لجدة «ماشا».. قفز الدب من الدهشة والخوف عند سماعه الكعكة تتحدث إليه وقال: لقد سمعتني الكعكة، إنها كما قالت لي «ماشا» كعكة عجيبة وإذا أكلت منها سيحدث لي شيء فظيع، فالأفضل أن أتركها وشأنها.

          لذلك قام الدب ومشى في طريقه..

          وظل يمشي..

          ويمشي...

          ويمشي.

          حتى شعر بالجوع.. وفكر الدب: لو أنني فقط أستطيع أن التهم هذه الكعكة من دون أن تشعر، بالتأكيد لن يحدث لي أي شيء سيئ، لكن كيف أفعل ذلك؟ عندئذ قال بصوت مرتفع: أوه.. هه.. إنني أتساءل إذا كانت قطع الكعكة الشقية تحب القفز خارجة من هذه السلة وتشاركني التنزه؟.. لكن «ماشا» أجابت من داخل السلة محذرة: إياك حتى أن تلمسنا أيها الدب الشره الطماع فنحن قطع من الكعك الصغيرة لجدة «ماشا»...

          وعندما سمع الدب ذلك الحديث من قطع الكعك، كاد يقفز خارج سترته، وقال محدثاً نفسه: لقد فهمت هذه الكعكة الماكرة إنها كانت خدعة، إن هذه الكعكة شديدة الذكاء لذلك في المرة القادمة لن انطق بأي شيء على الإطلاق، ولكن سأجلس والتهمها هَــمّْ .. هَــمّْ.. هَــمّْ.. حتى انتهي منها تماماً.. قال ذلك ثم مضى في طريقه..

          وظل يسير..

          ويسير..

          ويسير.

          ولكن الدب الآن يشعر بجوع شديد فكأنما هناك ثقب في معدته. وهذه المرة تذكر أن يعمل في صمت. فجلس على الأرض ببطء وحرك مخلبه الضخم باتجاه السلة. ولكن «ماشا» رأت المخلب من فتحة السلة وفهمت ما ينويه الدب فقالت له بصوت عميق: لا تفكر حتى في الاقتراب منا أيها الدب الطماع النهم البشع. فنحن مجرد قطع صغيرة من الكعك مصنوعة خصيصاً من أجل جدة «ماشا» ولو اقتربت منا سنقفز من السلة في سرعة خاطفة وسنأكلك سريعاً وسنبدأ بأذنيك الكبيرتين ثم نلتهمك جزءاً جزءاً بعد ذلك.

          صرخ الدب من الفزع قائلاً: لابد أن هذه الكعكة مسحورة، سأكون غبياً لو اقتربت منها، والأفضل أن آخذها لجدة «ماشا» بأسرع ما يمكنني وإلا سيحدث لي شيء سيئ. وأسرع الدب إلى منزل جدة «ماشا» وعندما وصل هناك نادى بأعلى صوته: «افتحي الباب يا جدة..» فجاءت الجدة وعندما رأت الدب الضخم واقفاً ببابها خافت منه لكن صوت «ماشا» جاء من داخل السلة قائلاً للدب: «احترس أيها الدب، فقد انتهت فرصتك، وسنقوم بالتهامك في الحال».

          أسقط الدب السلة من يده وصرخ بأعلى صوته وهو يجري.. النجدة.. النجدة.. الكعكة ستأكلني.. الكعكة ستأكلني.. وبمجرد أن ابتعد الدب واختفى عن الأنظار خرجت «ماشا» من السلة، وكم سرت الجدة برؤيتها.. وفرحت «ماشا» برؤية الجدة. أخذتها الجدة بين ذراعيها وقبلتها عدة مرات وحكت «ماشا» لها ما حدث حتى رحل الليل وجاء صباح اليوم التالي. عندئذ قالت لها الجدة: يا لك من فتاة ذكية استطعت بالحيلة أن تهربي من ذلك الدب الشرير فقالت «ماشا»: شكراً يا جدتي لقد كنت قلقة عليك جداً وهذا ما دفعني إلى حيلة الكعكة والآن لنلتهم هذه الكعكة الذكية معاً..

          «هَـمّْ.. هَـمّْ.. هَـمّْ..».

 


 

مايكل روسن