حكاية من التراث الإسباني.. الفلاح يهزم السادة

حكاية من التراث الإسباني.. الفلاح يهزم السادة

رسوم على فكري

عاش الفلاح في القرية، أما الملك فكان يعيش في العاصمة مدريد. القرية كانت بعيدة عن مدريد والملك طبعاً لم يسمع شيئاً عن الفلاح. لكن الفلاح كان يعرف الكثير عن الملك.

كان يعرف أن الملك يعيش في قصر ضخم، وكان يأكل أفضل الأكل، الذي يقدم له على أطباق من ذهب، وعنده خدم كثير والكل يخاف منه، ليس فقط الخدم إنما حتى الوزراء الذين يلبسون الحرير والمخمل. وبالطبع فإن هذا الملك طوله كالعملاق!

هذا ما كان يعتقد الفلاح ولو أن الملك لم يكن بهذا الطول وبهذه القوة فليس هناك سبب حتى يخاف منه الناس!

ملخص القول، أراد الفلاح أن يرى الملك بأم عينيه.

أتى إلى زوجته وقال لها:

- ماريانا ماذا لو ذهبت إلى العاصمة لأرى الملك؟ ماذا تقولين في ذلك؟

- سأقول لك إنك أحمق، ولن أعطيك نقوداً لهذا الغرض، ردت عليه الزوجة بحكمة، ليس عندنا إلا ثلاثة دراهم ونحتاج إلى شراء احتياجاتنا لفصل الشتاء، ولا حاجة لأن ترى الملك!

ياللأسف! أدرك الفلاح أنه من الصعب التفاهم مع زوجته، وكان يقول لنفسه: «لا أتفق مع زوجتي على ذلك، إنني لست شاباً وحتى هذه اللحظة لم أر الملك. إذا لم أذهب الآن إلى مدريد فلن أستطيع أن أرى الملك أبداً!».

ما العمل؟ قرر أن يلجأ إلى الحيلة. في اليوم التالي ذهب مجدداً إلى زوجته وهو يئنّ:

- زوجتي العزيزة، سني تؤلمني! يجب أن أسرع إلى طبيب الأسنان حتى يخلع لي سني! ووضع يده على خده.

كانت زوجته تعرف أنه كان دائماً يشكو من الآلام في أسنانه.

صدقته وأشفقت عليه ثم قالت:

- ما الأمر إذاً؟ إذهب!

- لكن طبيب الأسنان يعيش في مدريد!

- في مدريد؟

وسقط الزوج على الأرض وبدأ بالصراخ:

- آه، لا أستطيع أن أتحمل، أشعر بالألم!

أصاب الهلع الزوجة:

- خذ الثلاثة دراهم وأذهب الآن وارجع بسرعة!

- أخذ الفلاح النقود وخرج من المنزل. توجه الفلاح إلى الطريق وهو سعيد ويغني. علماً بأن المسافة من القرية إلى العاصمة ليست قصيرة. مشى الفلاح لمدة ثلاثة أيام وخلالها أنفق تقريباً كل النقود على الطعام وبقي معه فقط نصف درهم!

وصل إلى الساحة الرئيسية في مدريد والزحام شديد والناس تثير الضجة والجياد تتسابق حتى أنها كادت تسقطه على الأرض.

- ما الذي يحدث؟ خرج الملك من القصر.

شق الفلاح طريقه بين الحشد واقترب ليرى أن حاشية الملك والوزراء والمستشارين يخرجون من بوابة القصر، وها هو الملك يخرج أيضاً!

بدأ الشعب بالصياح: عاش الملك ! عاش الملك!

قال الفلاح:

- ليس عملاقاً كما ظننت. لكن في الحقيقة ذهب كثير معلق عليه: على صدره ذهب، على كتفيه ذهب، على قبعته وأكمامه ذهب وطوله كطول أي إنسان عادي!

أصيب الفلاح بخيبة أمل واستشاط غضباً. شعر بالجوع فذهب إلى السوق.

عد نقوده وفتش كل جيوبه لكنه لم يجد إلا نصف درهم! وفجأة أحس بالفعل بوجع سنه.

توقف الفلاح عند كشك بائع الفطائر الذي كان يصرخ حتى كاد يشق حنجرته وهو يمدح بضاعته قائلا:

فطائر مخبوزة متعددة الطبقات وحلوه، طعمها ليس له مثيل والدزينة بنصف درهم

تألقت عينا الفلاح : يالها من فطائر! لم آكل مثلها من قبل ! كنت سوف اشتريها كلها، لكني لا أستطيع بسبب ألم السن. وإذا لم أخلع سني لن أستطيع العودة إلى القرية وإذا لم آكل لن تستطيع قدماي أيضاً أن توصلني إلى البيت!"

كان واقفاً وهو يفكر وهو ينظر إلى الفطائر الفاخرة، ولم يلاحظ كيف أن ثلاثة من السادة الشباب اقتربوا منه وعليهم معاطف تصل حتى القدمين وقبعات عليها ريش. ملخص القول أنهم سادة نبلاء. رأوا الفلاح واقفاً وهو يحملق إلى الأكل فقرروا أن يسخروا منه.

صاح عليه السادة: أيها القروي! كم تستطيع أن تأكل من الفطائر دفعة واحدة؟

- أنا؟، أجاب الفلاح وهو يحملق إلى الفطائر، أستطيع أن أكل مائة فطيرة!

- مائة؟ تعجب السادة.

- وأستطيع أن أطلب أكثر!

وبدأ السادة بالقهقهة:

- نحن لا نصدقك. لا تستطيع أن تأكل مائة فطيرة!

- أستطيع أن آكل ! ولم لا؟

وسرعان ما دار النقاش بينهم. الفلاح يؤكد بأنه يستطيع أن يأكل مائة فطيرة والسادة يشكون في ذلك والحشد يحيط بهم وأخيراً قال السادة:

- فلنراهن على ذلك، إذا أكلت المائة فطيرة سوف ندفع ثمنها. وعلى ماذا يراهن الفلاح؟ ليس عنده شيئاً. وهنا فطن إلى شيء وقال للسادة:

- حسناً! دعونا نتراهن! إذا لم أستطع أن آكل مائة فطيرة أفعلوا بي ما شئتم . تريدون أن تضربوني، أضربوني وعلى كل حال لن أندم على شيء من أجل الرهان. هل ترون سني هذا، وكان يؤشر على سنه التي تؤلمه، إذا لم أستطع أن آكل مائة فطيرة فليخلع سني طبيب الأسنان!

بدأ السادة بالقهقهة: إبدأ بالأكل! ستصبح من دون سن ياأحمق!

تفرق الحشد وهو يرى أن الفلاح اقترب من الفطائر، أكل أول فطيرة على مهله ثم أخذ الفطيرة الثانية .

بدأ السادة بالعد : - واحدة!

والتهم الفطيرة الثانية.

صاح الجمهور: الثانية! الثالثة! الرابعة!

الفلاح لا يضيع الوقت ويضع الفطائر في فمه.

صرخ السادة: العاشرة!

صرخ الجمهور: العاشرة!

- العشرون!

- العشرون!

والفلاح يأكل ويأكل.

يضحك الحشد: يالهُ من أكّال نهمِّ!

يعد السادة: خمس وعشرون!

لكن الفلاح قد شبع ويالها من كمية خمس وعشرون فطيرة وكل واحدة منها محشوة وكل واحدة منها أكبر من الأخرى وبعد أن انتهى من الأكل مسح فمه بكمه وقال:

- المعذرة ياسادة لقد خسرت الرهان ! لا أستطيع أن آكل مائة فطيرة.

وماذا حدث بعد ذلك!

ضج الجمهور: لقد خسر الرهان!

فرح السادة: لقد خسر الرهان! نادوا طبيب الأسنان!

وكان طبيب الأسنان حاضراً ومعه الملقط.

بعد أن رأى الفلاح طبيب الأسنان تصّنع على وجهه ملامح حزينة مما جعل السادة يقهقهون بصوت عالٍ ويصيحون عليه: افتح فمك!

فتح الفلاح فمه وكأنه غير راغب في ذلك وبدأ الطبيب بسحب السن. الطبيب يسحب السن والفلاح يصرخ والسادة يضحكون. كلما صرخ أكثر زادت ضحكاتهم.

وأخيراً اقتلع الطبيب السن.

دفع السادة النقود مقابل الفطائر ودفعوا للطبيب وقالوا للناس الذين احتشدوا من حولهم:

- هل رأيتم هذا الأحمق؟ استغنى عن سنه مقابل الفطائر!

ورد عليهم الفلاح:

- كلا، أنا لست أحمق. لا أدري من هم الحمقى، أيها السادة المحترمون!

- كيف تجرؤ؟!

- لقد دفعتم مقابل الفطائر؟

- نعم دفعنا.

- ودفعتم لطبيب الأسنان؟

- نعم دفعنا وبالكامل.

- فشكراً لكم. لأن سني كانت تؤلمني بالفعل! وأنا الآن شبعان ومعافى. لقد خلصتموني رأساً من مشكلتين: من الجوع ومن ألم السن!

بعد أن فرغ الفلاح من الحديث تركهم عائدا إلى بيته في القرية. أمال السادة قبعاتهم حتى أعينهم وغادروا بسرعة ساحة المدينة الرئيسية. وبدأ الجمهور في أثرهم بالقهقهة والصفير والسخرية.

 


 

تعريب د. ناصر الكندري