مذكرات طفل صائم

مذكرات طفل صائم

رسم: أمين الباشا

بعد أيام قليلة سيعود إلينا شهر رمضان المبارك، وسيصوم كل من في المنزل: بابا وماما وأختي آلاء وأنا أيضا، وسيتغير نظام البيت ومواعيد النوم والصَّحْو، وسنسهر أمام التلفزيون، ليس كلنا طبعا.

أنا سأسهر حتى ميعاد السحور، وأشاهد بعض مسلسلات التلفزيون، وأتحدث مع أصدقائي وأدردش معهم على الإنترنت، وآلاء ستسهر أمام جهازها الجديد (اللاب توب) الذي اشتراه والدي لها بعد نجاحها في الثانوية العامة، وقالت إنها ستتنقل بين مواقع الإنترنت، وتأتي كل يوم بقائمة طعام فطور وسحور تعرضها على أمي لتختار من بينها، وأمي لا تُعجب ببعض هذه القوائم، فهي تقول إن بعضها لا يتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا في المأكل والمشرب.

ويختلف رمضان هذا العام عن رمضان العام الماضي، لأنه سيأتي في الصيف وأثناء العطلة المدرسية، وهذا يعطيني الفرصة للسهر حتى أصلي مع والدي صلاة الفجر، ثم أنام بعدها.

بعض أصدقائي يظنون أنني سأصحو مثلهم على ميعاد مدفع الإفطار، لأنهم يعتقدون أننا يجب أن ننام طيلة النهار في رمضان، لنتجنب الأكل والشرب أو الشعور بالجوع والعطش.

والحقيقة غير ذلك، فأنا سأصحو قبل أذان الظهر بقليل، وأتوضأ وأذهب إلى المسجد القريب من المنزل.

في العام الماضي كنت أذهب مع والدي للمسجد، لأنه حصل على إجازة من عمله طوال شهر رمضان.

والدي كان يدخن السجائر في العام الماضي، وكان في أول يوم رمضان عصبيا، وغير معتدل المزاج، لأنه امتنع عن التدخين طوال اليوم، وعندما انطلق أذان المغرب أكل ثلاث حبات من التمر، وشرب كوبا من عصير قمر الدين، ثم قام من على مائدة الإفطار ودخَّن سيجارتين معا في صالة المنزل.

كنت أراقبه من مكان جلوسي على المائدة، ولم يعجبني تصرفه في أول يوم رمضان، لأن في هذا اليوم أفطرت معنا جدتي وعمي محمد وزوجته وأولاده هاجر وأسامة وأحمد.

وبدلا من أن يرحب والدي بهم كعادته في كل مرة في غير رمضان، ترك المائدة التي كانت تحمل أصنافا كثيرة وشهية من المأكولات والمشروبات الرمضانية مثل الخشاف وقمر الدين والمكسرات إلى جانب اللحوم وأكثر من صنف من الخضراوات، أتذكر منها الملوخية مع الأرنب الذي تحبه كثيرا جدتي، بالإضافة إلى أطباق السلطات والمخللات، ثم الكنافة والقطايف، وغير ذلك من أصناف أعدتها والدتي وأختى آلاء احتفالا بأول أيام شهر رمضان وزيارة جدتي التي تقيم عند عمي منذ وفاة جدي.

عندما قام والدي من على مائدة الطعام الرمضاني ودخن السيجارتين، امتلأت شقتنا بدخان السجائر، وأخذت جدتي تسعل بشدة، وكانت أصيبت من قبل ببعض الأمراض، ومنها الربو، وحذرها الطبيب من التعرض إلى الأتربة ودخان السجائر وأنواع معينة من المأكولات لا أتذكرها الآن.

بعد أن أخذت جدتي تسعل بشدة، اضطرب كل من في البيت، وقامت والدتي من على كرسيها لتقدم كوب ماء لجدتي، وذهب عمي إلى والدي في الصالة وطلب منه الامتناع عن التدخين في المنزل، وفتحت زوجة عمي وآلاء كل نوافذ المنزل لطرد الدخان، وكادت تحدث كارثة صحية لجدتي التي انتظم تنفسها بعد أكثر من نصف ساعة، وكان والدي على وشك الاتصال بالطبيب.

أتذكر في هذا اليوم الرمضاني أننا لم نصل صلاة المغرب في المنزل، ولم نذهب للمسجد لصلاة العشاء والتراويح.

وأتذكر أكثر أن جدتي طلبت البخاخة الرمادية الموجودة في حقيبة يدها، وأنها طلبت من والدتي أن تصنع لها عصير بصل أو عصير بقدونس، بدلا من أن تشرب عصير قمر الدين الرمضاني، أو عصير التمر هندي الذي تفننت آلاء في عمله.

 


 

أحمد فضل شبلول