(هدية العدد).. حكايات وطرائف عربية
(هدية العدد).. حكايات وطرائف عربية
رسمها: ماهر رشوان هذه الحكايات في مكتبة والدي مراجعٌ كثيرة للأدب العربي، ومنها ما يجمع مؤلفات الأدباء، ودواوين الشعراء، ونوادر الظرفاء، وحكايات البخلاء. كان والدي يقرأ علي هذه المراجع بلغة أفهمها، مما جعلني أحب مطالعتها. وحين كبرت، اكتشفت أن اللغة التي كان يقرأها أبي كانت يسيرة، مبسطة، سهلة. وعرفت أنه لو كان يقرأ بالمفردات الموجودة في تلك الكتب لكانت القصص أصعب، وربما نفرتُ منها، ولم أحبها كما أحببتها دائمًا. وقد وجدت عرفانا بما فعله أبي أن آخذ بعضاً من هذه القصص، فأعيد كتابتها، وأحذف منها الألفاظ الغريبة، والمفردات غير المناسبة التي لا تصلح للنشر، وأن أحتفظ بالقصة التي أعجبتني فأصوغها بهذا الشكل. لكنني وضعت المراجع التي اعتمدت عليها في نهاية الكتاب، فربما أحب الآباء والأمهات الرجوع للأصول، وربما حين يكبر القراء والقارئات يرجعون إليها لكي يقرأوا غدًا ما أحبوه اليوم، بلغته التراثية. لقد استمتعتُ بالقراءة، واستمتعتُ أكثر بالكتابة. وستزيد متعتي مراتٍ حين تشاركونني هذه الحكايات العربية الطريفة التي تمثل مشاهد من حياة الأمس، ولكنها أيضا تشبه قصص اليوم. المريض مرضَ رجلٌ من البدو، وجاءه زوار كثيرون، وكان كل منهم يسأله عن سر مرضه، وعن زيارة الطبيب، وعن الدواء الذي يأخذه. كان الرجل المريض يجيب كلَّ سائل حتى ازداد عليه التعبُ. وحين جاءه زوار في اليوم التالي سألوه مثل ما سأله زوار اليوم الأول، وكان يجيب بعبارة واحدة: «كما قلت لزوار الأمس!» الجائع سُئِلَ رجلٌ عبر الصحراءَ، وقد وصل إلى جماعةٍ، أراد منهم أن يطعموه: «هل عرفتَ الجوعَ؟» رد الرجل وهو يمسك بطنه: «كيف لا أعرفه، وهو متربع على كبدي؟» الحصان كان أبو العيناء كثير الدعابة. ويمازح الأصدقاء ويمازحونه. ويروي قصصًا لم تحدث لكنها تدل على رأيه في الناس. وقد ولد في مدينة البصرة وتوفي بها، لكنه عاش كذلك في مدينتي بغداد وسامراء في القرن الهجري الثالث. يحكي أبو العيناء أنه مرَّ بالسوق في مدينة سامراء ذات يوم، فقال له خادمه الصبي: هناك حصان في الطريق ليس لأحد. ما رأيك يا سيدي لو أخذناه فليس لدينا حصان قوي مثله! غطى أبو العيناء الحصان بعباءته، وسحبه الغلام إلى البيت. ولكن رئيس الشرطة في الحي أرسل إليه في اليوم التالي رسالة تقول بأن الصبية في الحي يقولون بأنه سرق حصانا، وأن عليه أن يعيده. فرد أبو العيناء: «ما أعجب ما تقول؟ إن الجميع من الرؤساء والقادة والشيوخ يقولون إنك لص وأنا لا أصدقهم، وأنت تقول إن الصبية في شارعكم يزعمون بأنني لص وتصدقهم؟!» علامة وقف رجلان أمام جبلين. كان أحدهما أحمق وهو يقسم للآخر أنه دفن نقوده في مكان قرب الجبلين. سأله صاحبُه: «هل كانت هناك علامة تدلك على مكان دفن نقودك؟» رد الأحمق: «جعلتُ علامتي قطعة من السحاب كانت فوق المكان. لكنني لا أراها الآن!» المرآة مرَّ رجل بمرآة ملقاة في القمامة بين القاذورات. نظر الرجل في المرآة فوجد وجهه بملامحه القاسية فلم يعجبه. رمى الرجلُ المرآة وهو يقول: «لو كانت مرآة جميلة ما ألقاها أصحابها!» الأقفال وقف أعرابيٌّ على قوم فسألهم عن أسمائهم. قال الأول: اسمي وثيق. وأجاب الثاني: اسمي منيع. ورد الثالث: اسمي ثابت. وصاح الأخير: اسمي شديد. فقال الأعرابي: «ما أظن الأقفال صًنعت إلا من أسمائكم!» القوس استخدم الأقدمون القوس والنشاب (السهم) في الصيد. وقد جاء السوق رجلٌ يريد أن يشتري قوسًا، فقال له البائع إن ثمنها دينار. رد المشتري وهو غاضب متعجب من غلاء ثمن القوس: «والله لو إنك إذا رميت بها طائرًا في السماء وقع مشويا بين رغيفين ما اشتريتها منك بدينار أبدًا» الاتجاه جاء رجلٌ إلى حكيم، يسأله عن رأيه في الاتجاه الذي يفضله إذا نزل النهر للاستحمام: يا أيها الحكيم، لقد نزعتُ ثيابي، وسأدخل النهر للاستحمام، فهل أتجه إلى الشرق أم إلى الغرب؟ وهل أنزل بوجهي أم أنزل بظهري؟ فرد عليه الحكيم ينصحُه: الأفضل أن يكون وجهُك باتجاه ثيابك، حتى لا يسرقها لص يمر بالشاطئ!» الحلوى دعي رجل جشعٌ إلى طبق من الحلوى. ولكنه بعد التهام الطبق كاملا لم يشكر مضيفه. فسأله الرجل وهو حزين من جحود الضيف: «لم تقل لنا رأيك في طبق الحلوى؟» فرد الضيف الجشع الناكر للجميل وهو ينتقص من حلاوة الطبق: «يبدو أنه صنع في غياب النحل والعسل!» الوصية جاء ضيفٌ جشعٌ إلى مأدبة بها طعامٌ كثيرٌ. وقد أكل نصيبه، وشارك الآخرين نصيبهم من الطعام. ثم حضرت الحلوى المثلجة، وكان يحبها، ففعل مثلما فعل في الوجبات، أخذ نصيبه وشارك الآخرين نصيبهم. وكان رئيس المأدبة قائدًا كبيرًا لا يحب أن يشاركه أحد في طعامه. وحين اقترب الضيف الجشع من مائدة القائد، حذر الضيوف ذلك الجشع من عدم لمس طبق الحلوى المثلجة لأن القائد لا يحب أن يمد أحدٌ يده في طبقه. بل وقالوا له إنه يقطع رأس من يفكر في ذلك! كان الجشعُ يحرك الضيف الجائع دائمًا، فاقترب من الطبق وهو يمد يده قائلا: «لا أستطيع إلا أن آكل هذه الحلوى المثلجة، وإن قطع القائد رأسي، فإنني أوصيكم برعاية ابنتي بعد موتي!» السقف سكن رجلٌ في بيتٍ قديم. وكان السقف يهتز كلما مرت نسمة خفيفة. فجاء بالنجار لإصلاحه، ولكنه ظل كما هو، فطلب النجار مرة أخرى، وقال له إن السقف لايزال يهتز، فأجاب النجار: «ربما يهتز السقف لأن كلَّ الأشياء تسبِّحُ لله العلي العظيم» فرد الرجل: «أصلحه أيها النجار، فأنا أخشى أن يسجد السقف فوق رأسي!» اللص شاعت السرقة في زمن قديم، وكان التجارُ يغشون في الميزان، ويغشون كذلك في النقود، وقد ذهب ضحية هذا الغش كثيرون. ذات مرة أعطى رجلٌ البائعَ درهمًا، فقال له البائعُ إن الدرهم مزيف، وسأله: «من أعطاك هذا الدرهم المزيف؟» فرد الرجل وهو غاضب: «لا بد أنه لص مثلك، فقد عرفت أنت بزيف الدرهم دون أن تفحصه، وكأنك الذي أعطيته لي، حين اشتريت منك بضاعة الأمس». الفقير سمع صبي فقير امرأة في جنازة تقول، وهي تنعي وفاة زوجها: «يذهبون بك إلى بيت ليس له غطاء، ولا كساء، ولا عشاء، ولا غداء، ولا أضواء!» فقال الصبي لأبيه: «يا أبتِ، إنهم يذهبون بالراحل إلى بيتنا!» اليد الباردة خرجت يدُ رجل من تحت فراشه في ليلة باردة، فلما اشتد البردُ على اليد أعادها الرجلُ تحت الفراش وهو لايزال يشعر بالنوم الثقيل. وحين لامسته اليد الباردة استيقظ في الظلام، وأمسك اليد الباردة باليد الأخرى، وهو يظن أنه أمسك لصاً وصاح: «اللصوص، اللصوص. قبضت على يد أحد اللصوص. أدركوني بسرعة حتى لا يضربني». وحين أضاء الخادم السراج وجد سيده يمسك يده اليسرى بيده اليمنى! البرج بعض الناس يعتقدون خطأ أن المنجمين يقرأون أسرار الناس حينما يعرفون مواعيد النجوم التي ولدوا في شهرها. وقد ذهب أحدهم إلى منجم يسأله عن طالعه. فسأله المنجم: «في أي برج ولدت؟» ورد الرجل: «ولدت في برج التيس!» دهش المنجم وقال: «لا يوجد بُرجٌ بهذا الاسم؟» فأجابه الرجل: «لقد ولدت في برج الجدي، ولكن ذلك كان منذ خمسين عامًا، ولابد أن يكون الجَدْي قد أصبح تيسًا!» الخبز قالوا للأحمق: إن الدقيق قد أصبح غالي الثمن! فرد الأحمق: ليس يهمني أمر غلاءُ الدقيق، فأنا لا أستخدمه في البيت، بل أشتري خبزي من السوق! الطفيلي هو شخص يدعو نفسه إلى مائدة الغير. والطفيلي يأتي بلا دعوة ويتحدث بلا إذن، ويتدخل فيما لا يعنيه. دخل طفيلي على قوم يأكلون، وسألهم عن نوع طعامهم. فقالوا له وهم يتمنون أن يذهب: «نأكل سُمًّا!» فجلس يأكل دون أن يهتم وهو يقول: «والله إن الحياة لا تطاق بعدكم. فأعطوني مما تأكلون!» المخالف كان طفيلي يسافر في قافلة مع جماعة. وأرادوا أن يشاركهم في أعمالهم. فقالوا له: «اشتر لنا لحمًا». فقال: «لا أحسن الشراء، وقد يخدعني الجزارُ» اشتروا اللحم، وطلبوا منه أن يوقد النار، فقال: «أنا كسلان، وقد أسهو فتحرق النار الخيمة!» بعد إشعال النار، طلبوا منه أن يطهو، فقال: «لا أعرف الطبخ، وأخشى أن يفسد اللحم بعد عنائكم في شرائه!» فلما جهز الطعام قالوا له: هل تتقدم لتأكل؟ رد الرجل: «أكره أن أخالفكم في كل شيء، فتظنوني مخالفا للأبد بلا سبب!» ------------------------------------------ مصادر القصص تأليف أبوالفرج عبدالرحمن بن علي، ابن الجوزي، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي، دار الجيل ودار الآفاق الجديدة، بيروت، 1988. تأليف أبو الفرج علي بن حسين الأصفهاني، تحقيق لجنة من الأدباء بإشراف عبدالستار أحمد الفراج، دار الثقافة، بيروت، 1990. تأليف أبوعثمان عمرو بن بحر الجاحظ، تحقيق وشرح عبدالسلام محمد هارون، دار الجيل بيروت. تأليف أبو اسحاق إبراهيم بن علي الحصري القيرواني، تحقيق وشرح د. زكي مبارك، بيروت. تأليف أحمد بن محمد الأندلسي، ابن عبد ربه، تحقيق وشرح أحمد أمين وإبراهيم الإبياري وعبدالسلام هارون، دار الكتاب العربي، بيروت، 1991. تأليف أبوالقاسم حسين بن محمد الراغب الأصبهاني، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت. تأليف شهاب الدين أحمد بن عبدالوهاب النويري، دار الكتب المصرية، القاهرة، طبعة مصورة 1984.
|