العالم يتقدم.. الإسفنج.. طبيب في الأعماق.. إعداد: رؤوف وصفي

العالم يتقدم.. الإسفنج.. طبيب في الأعماق.. إعداد: رؤوف وصفي

البكتيريا كائنات دقيقة فائقة الصغر وحيدة الخلية، يمكنها أن تسبب المرض، عن طريق العدوى. ويمكن للبكتيريا أن تعيش في أي مكان، في التربة أو الماء أو الطعام أو جسم الإنسان. ويمكن للأطباء علاج أنواع كثيرة من العدوى البكتيرية، بواسطة أدوية تسمى «المضادات الحيوية»، تقتل البكتيريا المسببة للمرض. لكن لسوء الحظ، توجد بعض أنواع البكتيريا التي لا تتأثر بالمضادات الحيوية، وهذه المقاومة تسبب مشكلة كبرى للمرضى من البشر. فإذا كانت المضادات الحيوية لا تقتل البكتيريا، فإن العدوى البكتيرية قد تسبب وفاة المريض، فعلى سبيل المثال نجد أن البكتيريا التي تؤدي إلى أمراض الأذن أو في حالات التسمم الغذائي، يمكنها الصمود أمام المضادات الحيوية. ولقد اكتشف العلماء أخيراً طريقة جديدة، لمحاربة تلك البكتيريا العنيدة، وكان ذلك في مكان غير عادي بالمرة.. في المياه أسفل سطح المحيط! إذ وجد فريق من علماء الكيمياء، مكاناً على قاع المحيط تموت فيه كل الكائنات الدقيقة. ما عدا الإسفنج!

السلاح السري.. للإسفنج

الإسفنج حيوان بحري بسيط يوجد على أشكال مختلفة مثل الأنابيب والبراميل والشجر، وتساءل العلماء: كيف يعيش الإسفنج في الوقت الذي يموت فيه كل شيء؟ وهم يعلمون أن المحيط مرتع للأمراض، ذلك أن مياه المحيط تمتلئ بحشود لا نهاية لها من البكتيريا. لقد وجد الباحثون في جسم الإسفنج مادة كيميائية تسمى «إجليفرين»، وهي مادة غير سامة ويمكنها مقاومة البكتيريا التي لا تتأثر بالمضادات الحيوية. وعندما وضع العلماء مادة الإجليفرين فوق بعض أنواع البكتيريا العنيدة جداً، في المختبر. ثم أضافوا مضادات حيوية، ماتت كل الكائنات البكتيرية. وهكذا أمكن للعلماء تفسير سر بقاء الإسفنج في الأعماق، في ذلك المكان الذي لا تستطيع أي كائنات أخرى الحياة فيه.

وهكذا أعلن الخبراء أن الإجليفرين يمكن استخدامه ضد البكتيريا التي تهدد البشر، وفى المختبر، وجدوا أن المادة الكيميائية، تزيد من قوة وفاعلية المضادات الحيوية، ضد البكتيريا العنيدة التي تسبب أمراض الأذن والتسمم الغذائى. وهذا الاكتشاف يبشر بالخير، لكن حتى الآن لم تُجرَ تجارب على مادة الإجليفرين إلا في المختبر. والحقيقة أن العلماء حتى الوقت الحاضر لا يعرفون كيف تعمل هذه المادة لإحداث تأثيرها المذكور. بل إنهم ليسوا متأكدين مما إذا كانت ستساعد البشر فعلاً في القضاء على البكتيريا التي تقاوم المضادات الحيوية، إذ أن الأمر يحتاج إلى تجارب على المرضى من البشر، وهم على يقين من أن هذه المادة تعمل لصالح الإسفنج، ويأملون في أن تعمل لصالح البشر أيضاً.

المادة.. قاتلة الأورام

اكتشاف آخر في داخل الإسفنج اتضح أنه ربما يكون مفيداً جداً للقضاء على بعض أمراض الإنسان الخطيرة كالسرطان. إذ أن الإسفنج البرتقالي المتألق، يلتصق بصخور الأعماق، بحيث يصبح وجبة شهية وسهلة للكائنات البحرية المفترسة. ومع ذلك فإن معظم هذه الكائنات البحرية مثل السمكة الببغاء تكشط الصخور المرجانية المجاورة، ولكنها ترفض تماماً أكل الإسفنج البرتقالي المتألق. وتساءل العلماء عن السبب، فاتضح أن هذا الإسفنج يخزن بداخله، أسلحة كيميائية تمنع هذه الضواري الجائعة، من أخذ أكثر من «قضمة» واحدة منه.

وهذه المواد الكيميائية التي يمكنها قتل الكائنات البحرية المهاجمة للإسفنج، يمكنها أيضاً قتل كتل أخرى من الخلايا الحية مثل الأورام التي توجد أحياناً داخل أجسام المرضى من البشر. وفي المختبر يمكن للمادة الكيميائية (المسماة «قاتلة الأورام»)، والمستخرجة من الإسفنج البرتقالي المتألق، أن تمنع نمو أنواع كثيرة من الأنسجة والخلايا السرطانية مثل سرطان الثدي.

واتضح للباحثين أن المادة قاتلة الأورام، بها سم مؤثر يتسلل إلى داخل الخلية السرطانية ويلتصق بالأورام بها ويدمرها. والنقطة الجوهرية فيما إذا كانت «قاتلة الأورام» سوف تصبح دواءً مفيداً، تكمن في معرفة الجرعة الصحيحة منها وتحديد مسار دقيق لها، لتقليل عدد الأنسجة والخلايا السليمة التي ربما يتم قتلها أثناء قتل السم للأورام إلى أقل قدر ممكن.

ولقد بدأت بالفعل محاولات تجربة استخدام المادة القاتلة للأورام في تجارب على المرضى من البشر، ولكن لم يتم التوصل إلى نتائج نهائية، يمكن بعدها وضع هذه المادة الفعالة في أدوية مضادة للسرطان. حقاً إن الإسفنج هو طبيب في أعماق البحار والمحيطات.

 


 

رؤوف وصفي