الإسلام حضارة الزجاج المعشق تراث وفن إعداد: غازي أنعيم

الإسلام حضارة الزجاج المعشق تراث وفن إعداد: غازي أنعيم

يعتبر الزجاج المعشق بالجبس، أو ما يطلق عليه «قمرية أو شمسية» من أبرز فنون الديكور التي يتسم بها طابع فنون العمارة الإسلامية الذي تفوح منه رائحة الأصالة وعبق التاريخ، وجاءت تسميتها «بالقمرية والشمسية» نسبة إلى وظيفة الشبابيك، حيث يعكس الزجاج عندما يمر الضوء عبرها أضواء متآلفة وجذابة، ونتيجة لامتزاجها وتداخلها، ينتج عنها تغيير في ألوانها وذلك بسبب سقوط أشعة الشمس عليها في النهار، أو ضوء القمر عليها في الليل.

وقد سمي بالمعشق لإدخال الزجاج داخل قنوات الشرائط المعدنية أو القنوات الجبسية، وهو معروف في اللغة العربية باسم «العاشق والمعشوق». فعلى سبيل المثال فالزجاج المعشق بالرصاص يكون فيه العاشق هو الزجاج والمعشوق هو الرصاص، ويتم باستخدام هذه الشرائط تشكيل وزخرفة الزجاج للحصول على التصميم المطلوب.

أما عملية تلوين الزجاج المعشق فتكون بصب الألوان الممزوجة بالمواد الكيميائية على سطح الزجاج لتكوين طبقة من الزجاج الملون سمكها لا يزيد عن (2 ملم)، وتدعم بإضافة مادة مطاطية لاصقة، وتتم هذه العملية وفق معادلة كيميائية معينة وفي وسط حراري عال.

وكان ابتكار «الشمسيات والقمريات» بدافع من الرغبة في تخفيف حدة الضوء في القصور التي شيدها الخلفاء في الشام ثم استعملت في المساجد ذات الصحن المكشوف للغرض نفسه، وانتشر هذا النوع من الشبابيك في العمائر الدينية، وأقدم شباك منها محفوظ في المتحف الإسلامي في القاهرة وأصله من جامع الأمير «قجماس» الذي يرجع تاريخه إلى أواخر القرن (9 هـ - 15م).

وفي بادئ الأمر، صنعت القمريات من الحجر بدون زجاج. وقد تطور هذا النوع من النوافذ الجبسية، فأضيفت قطع من الزجاج الملون إلى تلك النوافذ الجبسية المفرغة بأشكال زخرفية ونباتية وحيوانية، يغلب عليها اللون الأرجواني المائل للاخضرار.. وكذلك الألوان الزاهية الأخرى.

وكان الرأي السائد لدى علماء الفنون والآثار أن أول ظهور للنوافذ الجبسية المعشقة بالزجاج كان في العصر الأيوبي، وذلك في نوافذ قبة ضريح السلطـان الصالح نجم الدين أيوب الملحق بمدرسته بالنحاسين بالقاهرة، ولكن الحفائر الأثرية أثبتت أن الزجاج المعشق بالجبس استخدم منذ العصر الأموي، واستـمر في قصور الخلفاء العباسيين، كما استخدمت في أواخر العصر الفاطمي ألواح من الجبس معشق بالزجاج الملوّن بدلاً من الألواح الرخامية والحجرية المفرغة، وانتقل هذا الأسلوب الفني إلى عمارة العصر الأيوبي وبلغ أوج ازدهاره في العصر المملوكي، وذلك بسبب تطور فن العمارة الإسلامية في ذلك العصر.

وقد عرفت بعض بلدان العالم الإسلامي أنواعاً متعددة من النوافذ مثل المدورات الرخامية اليمنية (القمريات) التي كانت تتميز برقتها ولا يزيد سمكها عن سنتيمتر ونصف بحيث تسمح بنفاذ الضوء من خلالها، و(الشماسات) المغربية وهي عبارة عن نوافذ نصف دائرية توجد أعلى الأبواب والنوافذ وتغطى بالخشب والزجاج الملون وتسمح بدخول ضوء الشمس، ومع دخول العثمانيين إلى العديد من البلاد العربية والإسلامية أصبح أسلوب النوافذ الزجاجية المعشقة بالجبس هو الأسلوب السائد.

وجاء حرص الفنان العربي والمسلم على استخدام الشبابيك الجبسية الملونة، داخل المساجد والقصور والبيوت التاريخية والكنائس، لما لها من وظائف متعددة تجمع بين القيمة الجمالية والنفعية، ومن وظائفها النفعية: الترشيد من كمية الضوء الداخل إلى المكان، وحجب الرياح والغبار، ومنع الحشرات التي تتسلل من خارج المبنى إلى داخله، وهي بهذا تحقق مبدأ أمنيا يتعلق بحياة الإنسان.

ومن أشهر المساجد والكنائس والمباني الأثرية الزاخرة بالنوافذ المعشقة بالجبس، هي مساجد احمد بن طولون وبرقوق، والقبة الفداوية، والمسجد الأقصى وقبة الصخرة ومجموعة كنائس مصر وفلسطين وأشهرها الكنيسة «المعلقة» وكنيسة «المهد» ومن البيوت الإسلامية ذات الشهرة الواسعة، بيت زينب خاتون وجابر اندرسون، ويتسم الزجاج المعشق بهذه المساجد والكنائس والبيوت بالزخارف المتنوعة من الرسومات الحيوانية والنباتية والهندسية.

التعشيق بالرصاص

استلهم فنانو الغرب فن الشبابيك الزجاجية من العمارة الإسلامية وبشكل خاص المغربية، مع استبدالهم بالجبس شرائح من الرصاص تثبت بها قطع الزجاج، وذلك لملاءمة الرصاص للجو البارد الذي يسود أوربا، لكن الفنان الأوربي قام بترتيب قطع الزجاج بحيث تكون رسوماً آدمية وحيوانية ومناظر دينية (أيقونات)، مختلفة في ذلك عن الطابع الزخرفي الذي تميّزت به الأعمال الفنية الإسلامية، وتشكل شبابيك الزجاج المعشق بالرصاص ملمحاً أساسيا ومميزاً في الكنائس والكاتدرائيات المنفذة حسب الطراز الفني القوطي والرومانسكي.

لقد كان توظيف الزجاج المعشق بألوانه المختلفة.. ضرورة لا غنى عنها عند تشييد القصور والأبنية، كعنصر رئيسي من عناصر الديكور التي تضفي جمالاً وسحراً على العمارة المدنية والدينية الإسلامية، وفي العصر الحديث دخل الزجاج المعشق في العديد من المباني السكنية والتجارية وفي القواطع الداخلية لأن من مميزات الزجاج المعشق إمكانية حجب الرؤية وإعطاء خصوصية واستقلالية للمكان.

أخيراً للحفاظ على الزجاج المعشق أطول فترة ممكنة، ينصح الخبراء بتجنب استخدام الكيماويات في تنظيفه، لأنه يفسد النحاس والرصاص، كما ينصح بعدم لعب الأطفال بالقرب منه حتى لا يتعرض للكسر.

 


 

غازي أنعيم