الحمار الطيب والثور المخادع

الحمار الطيب والثور المخادع

قص ولصق: صلاح بيصار

كانت حكاية جدتي غريبة في ذلك المساء البعيد الذي لازلت أذكره حيث كانت السماء تمطر بشدة وهي ترشف فنجان قهوتها وتعدل شالها الصوفي على كتفيها وقالت لي:

مثلما يوجد مظاليم بين البشر.. يوجد ايضا الظلم بين الحيوانات وكائنات كثيرة يقع عليها الظلم وتشعر به.

استفسرت من جدتي: «ان الكائنات والحيوانات لاتملك امكانيات عقل الانسان لتفكر مثله او تكشف الخطا من الصواب».

شردت جدتي للحظة ثم تكلمت وكأنها في حلم: كل الكائنات تتأثر وتحس! «قاطعتها في فرح»: اه.. لقد تذكرت. فالعلم والتجارب أثبتت ان النباتات تشعر ومن الممكن ان تفرح وتنمو بشكل جيد ومن الممكن ان تموت حزنا لو لم تجد الاهتمام بها والحب من اهل المكان الذي تعيش فيه.

ابتسمت جدتي واعطتني قالب الشيكولاتة الذي كانت قد وعدتني به وقالت: والآن ساحكي لك حكاية «الحمار والثور» وبدات الحكي:كان ياما كان.. ولكن ليس من قديم الزمان ؛ احد الحمير الذي يعمل في النقل العام لدى صاحبه في جر العربة وقد اصابه التعب ذات يوم، فتوقف ليستريح بعض الوقت عندما جاءت وقفته امام محل حلاق رجالي وهو يحاول التنفس بعمق، ولكنه اثناء تحريك راسه شاهد نفسه في مراة محل الحلاقة الكبيرة الحجم وانزعج لرؤية وجهه شاحبا. هز راسه وكانه يحاول اسقاط اللون الشاحب من على وجهه ربما ينتعش قليلا.. وبدا ينشغل بالفرجة على المارة الذين كانوا يتحركون بنشاط وعلى وجوههم الفرحة والسعادة، بينما في الوقت الذي يرتد وجهه في مراة محل الحلاقة يرى تكشيرة على وجهه، وتخيل للحظة ان الناس تضطهده وتصفه بالغباء.

سكتت جدتي للحظة فقلت لها مؤكدا: «صح ياجدتي.. ان الحمار من الحيوانات الغبية!».. عاتبتني جدتي بنظرة كانها تقول لي لاتتعجل في احكامك على الغير..ثم اكملت الحكي. قالت: عندما كان الحمار لايزال يرى نفسه في المراة، تساءل: لماذا لااعرف الابتسام والفرحة مثل صاحبي.. ولماذا يتهمني اغلب الناس بالغباء؟! لم يجد اجابة واعتقد ان السبب طول اذنيه وحزن ورثه عن اجداده، فاستسلم لهذا الاكتشاف، وفي نفس اللحظة افاق على صراخ: «شي.. كفى كسلا» كان هذا صراخ صاحبه، بعدها شد اللجام بعصبية لأن الجو كان ساخنا والرطوبة عالية ويريد انهاء العمل والعودة الى المنزل. «في المساء استرخى الحمار في مكانه بالاسطبل مع غيره من الحيوانات العاملة في خدمة الانسان».

كانت اصوات مختلطة تصطدم بأذني الحمار قادمة من اجهزة التليفزيون والراديو من الدور العلوي حيث يقطن صاحبه واسرته ومن الشارع ايضا.. ومن بين هذه الاصوات سمع صوتا يوبخ زميله الاصغر عمرا متهمه بالغباء لانه تعامل مع من هم اصغر منه لانهم اغبياء مثل الحمير، وعلى اثر ذلك سمع بكاء الشخص المتهم بالغباء، وفي تلك اللحظة شعر الحمار بجسمه ينتفض من الغضب واقترب من باب الاسطبل كأنه قرر الذهاب للدفاع عن المتهم بالغباء وعن نفسه وعن جنسه لانه آن الأوان لرفض هذا الاتهام الذي لايعتمد على حقيقة واضحة».

قالت جدتي: «ماذا سيفعل الحمار.. وكيف سيترجم غضبه؟!».

لم تجب جدتي واكملت: فجاة جاءه صوت الشخص المتهم بالغباء وهو يحتج بشدة على اتهامه: «لست في غباء الحمار ويجب ان تعلم بأن الحمار ليس كما يصوره البشر، لقد تأكدت من قراءتي لإحدى حكايات ألف ليلة وليلة عن احد الثيران، حاول استغلال طيبة حمار كان يسكن معه ليستفيد منه.. ولكن الحمار كان هو الاذكى في النهاية». هللت في سعادة: «تشوقت ياجدتي لكي اعرف كيف سيتصرف الحمار مع الثور!» اسكتتني جدتي واكملت: «كان احد التجار يملك مجموعة من الحيوانات ومن بينها الحمار الذي كان يعيش مرفها ولايجعله صاحبه يعمل كثيرا.. والثور الذي يعمل كثيرا ويعاني من الارهاق اليومي.. ولذلك فهو يحسد الحمار على عيشة الراحة والعمل القليل والغذاء الوفير.. وفي ذات يوم قال الثور للحمار: أنا لااحسدك يازميلي هنيئا لك.. واما عن حالي فانا تعبان من الحرث في الحقل.. والدوران في الساقية.. وانااريد ان اكون مثلك لااعمل كثيرا فبماذا تنصحني؟» فكر الحمار قليلا وقال: «عندما تخرج الى الحقل للعمل، حاول ان تتكاسل في مشيتك وعندما يضربونك تمادى في الرقاد على الارض ولا تقم.. وعندما تعود الى الحظيرة ويضعون لك الطعام لا تأكل كانك ضعيف وانصحك أن تمتنع عن الأكل والشرب يوما او يومين او ثلاثة فتستريح من التعب. وبالفعل عمل الثور بما قاله الحمار ونجحت الخطة.. ولكن صاحب العمل امر بأن يقوم الحمار بالعمل الشاق الذي كان يقوم به الثور.. ولاول مرة يشعر الثور بالراحة وقدم شكره للحمار.. وفي اليوم الثالث اصيب الحمار بسلخ في رقبته واوجاع في اقدامه التي صار يحركها بصعوبة شديدة، وبعد ثلاثة ايام طلب من الثور ان يعود الى حالته فيرجعه صاحبه الى سابق عمله.. ولكن الثور ماطل وادعى عدم قدرته على العمل حاليا.. ورجاه ان يمنحه شهرا ليسترد قوته، فلما سمع الحمار كلام الثور عرف انه قد خدعه واستغل طيبته بل وافترض انه ضعيف الذكاء وسمعته في الغباء على ألسنة الجميع.. وفي هذه الليلة ظل الحمار شاردا ولم ينم وقبل خروج جميع الحيوانات للعمل ايقظ الحمار الثور وهو يتصنع الخوف عليه قائلا له: الم تسمع ما حدث؟! اجاب الثور لا اعرف ماذا تقصد ولماذا توقظني وانا في اجازة مرضية من العمل!.. فقال له الحمار: تعرف ايها الثور انني ناصح لك: وقد سمعت صاحبنا التاجر يقول ان لم تتحسن صحة الثور اعطوه للجزار ليذبحه ويعمل من جلده قطعا.. وانا خائف عليك.. وقد نصحتك. فلما سمع الثور كلام الحمار شكره وقال في لهفة وخوف: الآن أنا شفيت وتحسنت حالتي ثم أخذ يصرخ بصوت عال: أنا بصحة جيدة.. أنا لست مريضا.. أريد الذهاب الى العمل.

انتهت الحكاية وقالت جدتي وهي تحاول اخفاء ابتسامة ساخرة على شفتيها: ليس الانسان فقط هو الذي يملك القدرة على الدفاع عن نفسه وعن حقوقه فكل كائن يملك هذه القدرة بالاعتماد على غريزته فيتحرك في الوقت المناسب للدفاع عن نفسه، وهذا ما حدث للحمار الطيب الذي احس بأن الثور قد خدعه.. وانه ليس على درجة كبيرة من الغباء كما يتردد بين الجميع.

 


 

مجدي نجيب