العالم يتقدم.. التلوث.. في الفضاء

العالم يتقدم.. التلوث.. في الفضاء

لا شك أنك شاهدت بعض الملوثات التي توجد في بيئة كوكب الأرض، مثل التلوث الهوائي والمائي والضوضائي والبصري.. ولكن هل تتصور أن هناك تلوثاً آخر في الفضاء.. وربما تتساءل: ما طبيعة هذا التلوث الفضائي؟ وكيف يتكون؟

تسألني فأجبك..

الخردة.. المدارية

في أي ليلة صافية يمكنك أن تنظر إلى الفضاء وترى القمر والنجوم وبعض الكواكب. ولعلك تستطيع أن تشاهد أيضاً خطاً ضوئياً لقمر اصطناعي أثناء دورانه حول كوكب الأرض. ولكن الذي لن تتمكن من رؤيته، أكبر مخزن خردة ونفايات في المجموعة الشمسية، إن هذا المخزن الهائل موجود أعلى من السحب، ولكن أقرب بكثير من القمر، فهو يمتد إلى مسافة 32 ألف كيلو متر فوق سطح ويحتوي على عشرات الملايين من الأجزاء والقطع وبعض الصخور الصغيرة والغبار الناتج من الأجسام الفضائية. ولكن معظم هذه الخردة، من صنع الإنسان، وهي تسمى عموماً «الخردة المدارية» لأنها تدور حول كوكب الأرض.

وتتضمن هذه «الخردة المدارية» بعض الأشياء غير العادية، مثل كاميرا طارت من يدي أحد رواد الفضاء بينما كان يقوم بمهمة خارج سفينته الفضائية وبعض أدوات أخرى فقدها رواد الفضاء مثل مفاتيح ومسامير ومفكات وقفازات..إلخ. إلا أن معظم الخردة المدارية تأتي من الأقمار الاصطناعية الضخمة والصواريخ، التي تمزقت إلى أشلاء بعد أن توقفت عن العمل. ويقدر العلماء أن وزن هذه الخردة كلها أكثر من خمسة ملايين طن. وأكبر قطعة في هذه الخردة، جزء من صاروخ كان يبلغ حجمه حجم شاحنة صغيرة. أما أصغر قطعة فيمكنك أن تضعها على ظفر إصبعك الصغير، ويبقى مكان لغيرها.

التلوث الفضائي.. خطر

وتمثل الخردة المدارية، تلوثاً فضائياً خطيراً، أمام مستقبل الرحلات الفضائية. إذ قد تصطدم بإحدى المركبات الفضائية وتتلفها وتعرض رواد الفضاء إذا كانت مأهولة لخطر كبير.

وخلال الخمسين عاماً الأخيرة، أطلق البشر آلافاً من الأقمار الاصطناعية في الفضاء وهي تستخدم في الاتصالات والمهام العلمية والعسكرية وغير ذلك.

وعندما يتوقف أي قمر عن العمل، فإنه يسقط عادة باتجاه الأرض، ويحترق في غلافها الجوي، إلا أن الأقمار الاصطناعية التي تدور عالياً جداً في الفضاء، فإنها تظل أحياناً في نفس مداراتها حول الأرض، حتى لو انتهت مهمتها. ولكن بعد فترة من الزمن، تتحطم أو تتفجر إلى آلاف القطع الصغيرة، التي تبقى في نفس المدار حول الأرض، لسنوات طويلة.

وتدور معظم الخردة الفضائية، بسرعات كبيرة جداً، فعلى سبيل المثال، أي قطعة صغيرة تدور حول الأرض، يمكنها أن تكتسب طاقة سيارة منطلقة بسرعة خمسين كيلومترا في الساعة! والطيران بهذه السرعة، يجعل أصغر تلك القطع خطراً داهماً على مركبات الفضاء، إذ قد تسبب شروخاً في هياكل المركبات الفضائية.

شبكة المراقبة الفضائية

وتحتفظ شبكة المراقبة الفضائية، المسئولة عن تتبع التلوث الفضائي، بقائمة بمعظم قطع الخردة المدارية، وذلك باستخدام عشرات من التلسكوبات والهوائيات على الأرض وفي الفضاء، وهي تقوم بملاحظتها باستمرار. ولأن كل تلك القطع الملوثة للفضاء، تكون في حركة مستمرة طوال الوقت، فإن مهمة شبكة المراقبة الفضائية، تكون صعبة ولكن غير مستحيلة.

وتتوقف مهمة مراقبة الخردة الفضائية على أمرين:

- أين توجد الخردة الآن؟

- أين تصبح في المستقبل؟

أولاً.. لمعرفة أين توجد الخردة الفضائية الآن، يستخدم العلماء تلسكوبات وهوائيات ذات قدرات عالية لمراقبة الخردة أثناء انطلاقها في الفضاء. ويجب على العلماء التأكد يومياً من أن كل قطعة خردة، توجد في المكان الذي توقعوه لها. ذلك أن أى «قطعة خردة مفقودة»، قد تشكل خطراً هائلاً على أي قمر اصطناعي أو مكوك فضائي.

وثانيا.. لمعرفة أين تذهب الخردة الفضائية في المستقبل، يقوم العلماء بقياس سرعتها واتجاهها أثناء عبورها في الفضاء. بعض تلك القطع يتحرك في شبه دائرة كاملة حول الأرض. بينما تتحرك بعض القطع الأخرى، في مدارات بيضاوية، مما يعنى أنها تكون أحياناً أثناء طيرانها «أقرب إلى» أو «أبعد عن» كوكب الأرض. ومما يزيد من صعوبة وتعقيد قياس الاتجاه، أن قطعة الخردة يمكنها التحرك شمالاً أو جنوباً، شرقاً أو غرباً، إلى أعلى أو إلى أسفل. ومن خلال معرفة مكان وسرعة واتجاه حركة كل قطعة خردة، يستطيع العلماء التنبؤ بالأماكن التي سوف تذهب إليها كل الخردة الفضائية في المستقبل، ومن ثم إيجاد السبل لتدميرها، غالباً بواسطة مركبات فضائية تحمل أجهزة أشعة الليزر.

 


 

رؤوف وصفى