الدّعسوقة وزيّ القنفذ

الدّعسوقة وزيّ القنفذ
        

قصة
رسم: رضوان الرياحي

          وقفت الدّعسوقة أمام مرآتها.تتأمّل حسن وجهها ورشاقة قوامها.ثمّ قالت:

          - ترى كيف سيكون الرّبيـعُ هذه السنة ؟ لا شكّ أنّ الأزهارَ ستنمو وتنتشر على ضفـاف الـوادي والــرّوابي. والفراشات..آه من الفراشات.. كم أنزعج من رؤية إحداها وهي تطيرُ وتطير متباهيةً بأجنحتها الملوّنة كأنّها غمستها في ألوانِ قوسِ قزح... وتحلّق بين الورودِ مغمضة العينين كأنّها تحلم على جناح غمامة قطنيّة حتّى إذا فتحت عينيها رمتني بنظرةٍ سريعةٍ ومضت غيرَ مبالية بي... يا لها من مغرورة، بل إنّها مسكينة. فهي لا تفوقني جمالاً. لولا الفساتين التي تزيّنها. أمّا أنا فلا أملك سوى فستاني الأحمر ذي النّقاط السوداء الذي أرتديه كلَّ سنة. فالربيعُ معرضٌ للألوان ومهرجانٌ للألحان.إنّه حفلة الجمال والأناقة، فهل قُدّر عليّ أن أظهر في هذه المناسبة بفستان قديم؟ مثلي كمثل جارتي البعوضة، التي لا تفقه شيئاً من فنون الموضة.

          انصرفت الدّعسوقةُ وقد تعبت من التّفكير. وقد قرّرت البحث عن حلّ. كانت على عجلة من أمرها فلم تلحظ القنفذ الذي كاد يسحقها. فانزعجت منه ولامته قائلة:

          - على رسلك أيها القنفذ. ألا تنتبه في سيرك؟

          - معذرة، فقد كنت ساهرا طوال الليل.

          - ولكن ماذا دهاك كأنّك هاربٌ ممّا تحمله من أشواك؟

          - لا تسخري منّي يا دعسوقة فأشواكي ليست عيباً لأتخلّص منها. ولو رأيت أولادَ البشر يضعون مثبّت الشّعر (جيل) في رؤوسهم حتّى يقلّدوا شكلها لعلمت أنّ القنفذ نموذج يُحتذى. ومثال يُقتدى.

          لمعت في عيني الدّعسوقة فكرة فقالت للقنفذ:

          - لم لا تعطيني بعض أشواكك فانا محتاجةٌ إليها.

          - أمرُك عجيبٌ.. ولكن خذي ما تساقط منها في الطّريق. فعودي أدراجك واجمعيها.أمّا أنا فسأخلد للسّبات.حتّى أتدارك ما فات.

          انطلقت الدّعسوقة شاكرة يحملها السّرور على جناحيه.تجمع الأشواك من الطّريق وسط إعجاب أهل الغابة فهي تميط الأذى عن المارّة ولها بذلك أجر عظيم عند اللّه.وهاهي الآن أمام بيت العنكبوت تناديها وتحاذر من خيوط بيتها حتّى لا تقع فيها. وفجأة أطلّت عليها والخيط مشدودٌ بإحدى رجليها. وكان رأسها إلى الأرض وعقبها في السّماء. فتساءلت: ماذا تريدين أيّتها الدّعسوقة؟ وما هذه الأشواكُ التي بين يديك؟

          قالت الدّعسوقة: جئتك كي تخيطي لي فستانا منها..فأنا عازمة على أن أغيّر شكلي وأجدّد مظهري فلست أقلّ من الفراشات ذوقا... وسأدفع لك أجرتك بسخاء.

          ابتسمت العنكبوت وقالت: يبدو أنّ الأمور قد قُلبت عندك رأساً على عقب.. ولن أجد خيراً من هذا الفستان ليعيد إليك رشدك.عودي إليّ في المساء وستجدينه حاضراً.

          ... مرّت السّاعات على الدّعسوقة كأنّها شهور وما إن مال قرص الشّمس إلى المغيب حتّى سارعت إلى بيت العنكبوت تنشد ضالّتها وهاهي تتأمّل فستانها وقد عقدت الدّهشة لسانها.

          قالت العنكبوت: تمتّعي بفستانك فقد تحقّق حلمك ولكن عليك أن تتحمّلي ألم الوخز.

          ودّعتها الدعسوقةُ مردّدة:

          - سأتحمّله براحة بال مادام ذلك ثمناً للجمال.

          وفي الصباح كانت صيحات الدهشة تتعالى كلّما مرّت الدعسوقة بفستانها الشوكي. حتّى الفراشات الحالمات فتحت عيونها من المفاجأة. وكان كلّ ذلك يزيد الدّعسوقة إحساسا بالتّألّق والتّفوّق..ولكن ما هي إلاّ سويعة حتّى شعرت بالأشواك تؤلمها بوخزها ولم تعد تتحمّلها. فشعرت بالإرهاق والضّيق وصارت تتحمّل ما لا تطيق. وسالت الدّماء من جسدها وكاد يغمى عليها.

          سمعت صوتا يكلّمها:

          - اِطرَحي عنك هذه الأشواك لأنّها لم تُخلقْ لك، ولا تُقلّدي غيرَك، وافْرَحِي بشَكلِك الذّي خلقكِ اللّهُ عليه.

          ولو تأمّلت النّقاطَ السّوداءَ التي تُزيّن ظهْرك وسْط اللّونٍ الأحمرِ القاني لأدركت أنّك في غاية الأناقـةِ والجمالِ. ولا تتأسَّيْ ببني البشر فبعضهم لا يفهم ما نفهمه نحن معشر الحشرات. كان المتكلّم فراشة أنيقة ساءها أن ترى صديقتها في ورطة دون أن تنصحها.

          ومنذ ذلك اليوم كانت الدّعسوقة تحكي لأحفادها في كل ّربيع حكايتها مع القنفذ والفستان. وكانت توصيهم دائما بأنّ الجمال في النّفسِ والأخلاقِ لا في التّقليدِ الأعمى.

 

 


 

عماد جلاسي