الجار للجار

الجار للجار
        

رسوم: أمين الباشا

          طلب سميرٌ من أمّه أن يدعو صديقه سهيل في المدرسة للغداء، سألته أمه: لماذا سهيلٌ فقط؟ أجابها لأني أرتاح إليه وهو صديقي، أجابته أمه: إذا دعونا رفيقاً ثانياً لك, مثلا خالد، ما قولك؟ أجابها سمير يكون هذا أفضل، قالها وهو يبتسم مسروراً، نظرت إليه أمه نظرة كأنها ستقول شيئا آخر، قالت: ما رأيك أن ندعو ثالثاً مثلا ابن الجيران، حمّود.

          أجابها باستغراب: حمّود ليس في المدرسة معي، وهو لم يكن في مدرسة، بل لم يدخل مدرسة في حياته. قالت أمه: عائلته ليس باستطاعتها إدخال وحيدها حمّود إلى المدرسة، سألها سمير: لماذا؟ قالت: لأن عائلته فقيرة، جيراننا فقراء، لا يستطيعون تسجيل ابنهم في المدرسة.

          حزن سمير مستغرباً ورجا أمه أن تدعو حمود للغداء وتمضية النهار معنا نحن الثلاثة، قالت الأم: أنتم ثلاثة وحمود رابعكم، أقترح أن ندعو الصف كله! قال سمير وقد زاد استغرابه: الصف كله.. نحن سبعة عشر تلميذاً، قالت الأم: عال.. البيت يتّسع هذا العدد.

          وعندي لكم جميعاً مفاجأة، ماهي؟ سأل سمير، أجابته أمه: لن أقول الآن، إذا أخبرتك بها تكون المفاجأة ليست مفاجأة، قال سمير وعلى وجهه استغراب ممزوج بالسّرور والحيرة: طيب! قالت الأم: سأتصل أنا بعائلات الطلاب وبجارنا حمّود.

          وكان يوم عطلة، امتلأ البيت بالسبعة عشر طالبا وبحمود الذي قدّمه سمير لأصدقائه، كصديق وجار.

          عند الخامسة بعد الظهر، ظهرت الأم بابتسامتها وطلبت السكوت دقيقة، وقالت: يعرف سمير أني خبّأت لكم مفاجأة، أرجو أن تهدأوا وتسمعوا ما سأقوله: عندما اتصلت بعائلاتكم أخبرتهم أن ولداً في عمركم هو موجود هنا معكم لا يذهب إلى المدرسة مثلما تفعلون أنتم، وهذا لضيق يد العائلة. وهذا ليس بعيب، وطلبت من كل عائلة من عائلاتكم المساهمة في دفع قسط المدرسة ليدخل حمّود للدراسة مثلكم، وكانت كل العائلات إيجابية لهذا الطلب، لهذا فأنا أحمل معي المال الذي سيدفع كقسط إلى مدرستكم ويصير حمّود تلميذاً معكم.

          كان حمود في ذلك الوقت خجولاً، وجهه أحمر من شدّة خجله. تقدّمت الأم منه وطبعت قبلة على جبينه قائلة له: مبروك.. كلنا سواسية، لا أحد أفضل من الآخر، ستدخل المدرسة غداً، وعندي ثقة أنك ستكون مجتهداً ورفيقاً للجميع، فهنيئاً لنا ولك ونحن جميعاً مسرورون للتعرّف بك.

          في اليوم التالي، رافقت أم حمّود ابنها إلى المدرسة، استقبلها المدير وهو يعرف ما حدث، قال للأم إنه سيأخذ نصف قيمة القسم فقط والنصف الباقي ابقيه في جيبك، شكرته كثيراً.

          مرّت الأيام وأصبح حمّود من التلاميذ الأوائل وصار صديقاً للجميع وأظهر أنه مؤهل لأن يتابع علمه لتفوّقه وشخصيته المحببة وتواضعه.

          قال سمير يوماً لأمه: ترى لو لم تفعلي ما فعلتيه لحمّود كيف يمكن أن يكون الآن؟ أجابته أمه: «الجار للجار» قالتها وهي تضحك ثم إن عمل الخير هو أجمل الأعمال التي يقوم بها الإنسان، فعامل الخير يفيد ويستفيد، سألها سمير: ماذا يستفيد؟ قالت: سيأتي يوم سيحتاج ربّما أي إنسان للمساعدة، لهذا إذا ساعدت، ستُساعد يوماً، لكن لا تنتظر من أحد أن يردّ لك الجميل، جميل عملك.

 


 

أمين الباشا