أدباء الغد

أدباء الغد
        

ندى والعصفورة

          ندى الصغيرة، فتاةٌ جميلةٌ برقّةِ الندى الصباحي اللطيف، تطيرُ في غرفتِها عصفورة صغيرة اسمها «صوصوة».

          كانت ندى تجري في الحديقةِ وراء عصفورتها «صوصوة»  وتدوران معاً حول الزهور الملونةِ، وكانت العصفورةُ لا تكفّ عن الحديثِ مع ندى بواسطةِ الصوصوة المغردة.. وبمرور الوقت، صارت ندى تتفهّم صوصوة العصفورة، وصارت العصفورةُ تتفهمُّ كلامَ ندى، ازدادت الألفةِ التي ولدت بين القلبينِ الصغيرينِ.

          كان للعصفورةِ صغار يقيمون داخل عشٍ على الشجرةِ المجاورةِ لمنزلِ ندى، وفي كل يوم تذهب العصفورةُ الأمُّ إليهم وفي فمِها الغذاءُ، وأحياناً كانت ندى تجلبُ لها الطعامَ من أمِها التي كانت ترحبُّ بذلك وتعطفُ على العصفورةِ وصغارها.

          كانت أغلبُ أوقات ندى تقضيها في اللعبِ مع العصفورةِ، فكانت تأتي بالأوراقِ وتثنيها على هيئة قواربٍ صغيرةٍ، وتضعها لتسبح على سطحِ الماء، والعصفورةُ - فرحةً - بالجوارِ تشربُ من الماء وتغرّدُ بالصوصوة الشجيةِ.

          وفي مرة من المراتِ أثناء اللعبِ بالقواربِ الورقيةِ.. أخذت العصفورةُ قارباً من الماءِ وطارت، جرت وراءها ندى في أرجاءِ الحديقةِ فرحةً بذلك اللعبِ، إلا أن العصفورةَ اختفت.

          اختفت العصفورةُ عن عيني ندى فجأةً، وأصابها هذا بالحزنِ الشديدِ.

          جلست بالقربِ من الشجرةِ التي تسكنها صغارُ العصفورةِ في انتظارِ أمهم. وسمعت منهم صوصوة كثيرة أي الشجار كما تفهمت، إلى أين؟ غلبها النعاسُ.

          جاءت العصفورةُ لتأخذ عصافيرَها الصغار... ورحلت.

          أفاقت ندى على صوتِ والدتها بأن تدخل البيتَ لأن الليل سيحل.

          انزعجت عندما لم تر العصافيرَ الصغارَ بمكانِهم فوقَ العشِّ. غير أن أصواتهم لم تعد مسموعة، دخلت إلى البيتِ حابسةً دموعها، لم تكد تدخل غرفتَها إلا وانهمرت دموعها، انزعجت الوالدةُ من ذلك، فحكت لها كلَّ شيء عن العصفورةِ ورحيلها المفاجئ.

          فأفهمتها الوالدة، بكثيرٍ من الودِّ، أن العصفورةَ مثلا رأت مكاناً أفضل لها وللصغارِ من شجرةِ بيتِهم، أو مثلا وجدت مكاناً لتجمّع العصافيرِ، ففضلت المكوث معهم لتستأنس بهم، ولا يجب ألا تحزن عليها بل نفرح من أجلِها.

          بكت ندى كثيراً، وبمرورِ الوقت أخذ ندى في تناسي الموضوعِ وإن كان هذا آلمها كثيراً.

          في صباحِ أحدِ الأيام كانت ندى ذاهبةً كدأبِها لمدرستها القريبةِ، فإذا بها تجد العصفورةَ «صوصوة» واقفةً على سورِ الحديقةِ، جرت إليها وهي تكاد تنكفئ على وجهِها من الفرحةِ، وجاءتها العصفورةُ سريعاً ووقفت بحضنِ كفيها، وقد قبّلتها ندى بكل الحبِّ.

          - قالت لي أمي إنك وجدت مكاناً أفضل للمعيشةِ مع عصافيرك الصغار!

          - صاو صاو.. صاو صاو..

          - لكني وبالرغم من احتياجي لك كصديقتي، إلا أني لا أستطيع أن أرغمك على شيء بحبسك عندنا.

          - صاو صاو.. صاو صاو..

          (مبتسمةً).. فقط كل ما أريده منك أن تزوريني من حين لآخر... رجاء لا تكفي عن ذلك، لأشعر أنك بقربي دومًا وكأنك لم تفارقيني قط.

          صاو صاو.. صاو صاو..

          قبلتها ندى مرةً أخرى ومسحت بيدِها على رأسِها الصغيرِ، وتركتها تطيرُ مشيرةً لها بيدها أن (مع السلامةِ). وظلت تنظرُ لها عبر المدى متذكرة أغنيةً حفظت مقطعها خصيصاً من أجل عصفورتِها.

          «بيتك ياعصفورة وين
                                        ما بشوفك غير بتطيري»..

بقلم: دينا بدر - مصر