ماذا أعطى الصيادُ للولدِ؟.. أمين الباشا

ماذا أعطى الصيادُ للولدِ؟.. أمين الباشا

رسوم: أمين الباشا

كنا خمسةَ أطفال، نلهو في غرفتي، الأربعةُ هم أصدقائي، صبيّان وفتاتان وأنا الخامس. لهونا حتى تعبنا. اقترحت إحدى الفتاتين أن تبدأ هي بحكايةٍ، وكل واحد منا يكملُ الحكايةَ، نظر كلٌ منا إلى الآخر وضحكنا لهذه الفكرةِ قابلين بها.

ابتدأت الفتاةُ: كنت ذاتَ يومٍ أتنزّهُ لوحدي على شاطئِ البحرِ، وأبني قصوراً من رمالِ الشاطئِ، وبعد أن تصلها الأمواجُ وتهدمها أروح أركض ومرّات أقف لألمَّ بعضَ الأصداف، وابتعدت حتى أني رأيتُ من بعيدٍ كوخاً.

هنا وقفت عن تكملة قصّتَها وطلبت من أحدِنا أن يكمّل، وبالحالِ تابعَ صديقنا قائلاً: مشيتُ نحوَ الكوخِ، وصلتُ، طرقتُ على بابِهِ، سمعتُ مَن يسألَ: مَن الطارق؟ ادخل! دخلتُ، رأيتُ عجوزاً محاطاً بشباكِ صيدٍ وسلالٍ وهو يعملُ على تصلِيحِها. نظر إليَّ: أهلاً بك. اجلس.

لم أجبْه. جلستُ بقربِهِ. شعرَ الصيادُ بأنني خجلتُ لدخولي إليه وهو في كوخِهِ لوحدِهِ. قال مرةً ثانيةً: أهلاً وسهلاً بك، كيف أتيت إلى هنا وأنا لم أرَ ولداً منذ سنين عديدة؟

قال الولدُ: كنتُ أتنزّه على الشاطئِ قربَ القريةِ، تابعتُ سيري على رمالِ الشاطئِ، رأيتُ الكوخِ من بعيدٍ، فقرّرتُ أن أصلَ إليه ثم أعود إلى بيتي. طرقتُ بابَك وها أنا عندك.

أرجو ألا أكون قد أزعجتك. أجابه الصيادُ: أبداً، قل لي هل تناولت غداءَك؟ قال الولدُ: أقول لك صراحةً: لا. لم أتغد بعد، لكني لست.. قاطعه الصيادُ قائلاً: لا تقل لكني... أعتقد أنك جائعٌ الآن مثلي والسمك كثيرٌ وطازجٌ. وضحكا وقام الصياد وهيّأ الطعامَ وأكلا معاً. سأله الولدُ لماذا يعيش هنا لوحدِهِ؟ أجابَه: هذه قصةٌ طويلةٌ سأرويها لك عندما تزورني مرةً ثانيةً، ولكن أتراني حزيناً أم أشعر بالوحدةِ؟ لا. أنا اخترتُ هذه الطريقةِ في العيشِ، هي حريتي، أنا اخترتَها، ثم أني أحبُّ البحرَ وأحبُّ الطبيعةَ، ومن يحب الطبيعةَ لا يشعر بالوحدةِ.

عجب الطفلُ مما سمعَه، وظهر سرورُه على وجهِهِ، سأله الصيادُ: أنت كلّمني عن حالِك، عن عائلتك، ماذا تفعل؟ أجابه الولدُ إنني من قريةٍ بحريةٍ صغيرةٍ فيها مدرسةٌ لثمانيِ عائلاتٍ تسكنُ القريةَ. وعائلتي مؤلفةٌ من أب وأم وأنا وحيدهما، ولي أصدقاء. سأله الصيادُ: ماذا تحبُّ أن تفعلَ عندما تصبح شاباً؟ أجابه: لست أدري، إنني كما ترى مازلت صغيراً، لا أعلم ماذا سأفعلَ في المستقبلِ.

نهضَ الصيادُ إلى زاويةِ الكوخِ حيث يتدلّى قفصٌ وأخذ شيئاً وأعطاهُ للولدِ.

فرحَ الولدُ بهذِهِ الهديةِ، أمّا الصيادُ فقد أوصاهُ بأن يحافظَ عليها. ثم قال له ناصحاً: أعتقد أن من المستحسن أن تعودَ الآن إلى منزلِك، فالسماء تبدّل لونُها وابتدأ غروبُ الشمسِ.

هنا سأل الصديقُ أصدقاءَه: مَن منكم يستطيع أن يعرفَ ماذا أعطى الصيادُ للولدِ؟ وجميع الأصدقاءِ قالوا بصوتٍ واحدٍ: «أنا».

الأول قال: أعتقد أن الصيادَ أعطاهُ عصفورًا.

- لا.

قالت الفتاةُ الأولى: أعطاه سمكةً متحجرةً.

- لا.

الفتاة الثانية قالت: أعطاه جوهرةً علْقت ذات مرّة في شباكِهِ وهو يصطادُ.

- لا.

الولد الثاني قال: ربّما أعطاه تمثالاً ثميناً لقيه الصيادُ مطموراً في رمالِ الشاطئِ.

- لا.. أجابَهم صديقُهم الذي روى القصّةَ: عندما قام الصيادُ وفتحَ القفصَ أخذ شيئاً منه وأهداهُ للولدِ الذي زاره، هذا الشيءُ كان مجرّد مفتاح ولكن من ذهبٍ. الصيادُ نصحَه أن يحافظَ عليه، وإن أراد أي خدمة أو مساعدة أو تمنّى أي أمنيةَ، فالمفتاح إذا فركَه بين يديه فإن أمنتيَه تتحققُ حالاً.

عندئذٍ سادَ صمتٌ في الغرفةِ، وقامت إحدى الفتاتينِ إلى البابِ تنظرُ إلى الشاطئِ لعلّها ترى كوخاً فتذهبَ إليهِ، لكنها لم ترَ شيئاً. عندئذٍ ضجّت الغرفةُ بالضحكِ عندما علموا أن صديقتَهم تبحثُ عن الكوخِ.

في اليومِ التالي، اتفقنا على أن نبتعدَ عن القريةِ ونمشي على الشاطئِ لعلنا نرى كوخاً.. مَن يدري؟ وهكذا كان.. وقد نالَ منّا التعبُ، ولا كوخ على الشاطئِ.

بعد هذا، لم يرض أحدٌ منا أن يكمّلَ القصةَ معتبرين أنها قصةٌ قد انتهت.

 


 

أمين الباشا