مبدعو الغد: الأنينُ المحيّرُ

مبدعو الغد: الأنينُ المحيّرُ

يعيش حمزة مع عائلتِهِ الصغيرةِ في منزلٍ واسعٍ جميلٍ، يحبّ جدّته حبًا جمًا، فهو لا ينام إلا بعد أن ترقدَ بجانبِه وتروي له حكايةً من حكاياتِها المشوّقةِ.

تجاوز حمزة اليومَ الخامسةَ عشرةَ من عمرِهِ، وهو متفوّقٌ في دراستِهِ، ذات يوم طلبت منه أستاذةُ صفّه أن يكتبَ قصةً من خيالِهِ، فكتب حمزةَ قائلاً:

منذ أكثر من عشرِ سنواتٍ خلت، وبالضبط في ليلةٍ من ليالي الشّتاءِ الباردةِ، روت لي جدّتي قصةَ ملك ظالم استبدّ برأيهِ فهمش وزراءَه، وظلم أبناءَ شعبَه، فسلبَ حقّهم واغتصبَ أرضَهم فكانت نهايتَه أن أصيب بمرضٍ عضالٍ طال به وأقعده الفراش، وصار يتألّمُ ويئن أنينًا ظلَ راسخًا في ذاكرتي، لأنّ جدّتي يومئذٍ ردّدته متقمّصة شخصيةَ ذلك الملك الجائرِ، وقد ارتسمت ملامحُ الحسرةِ والندمِ والألمِ على وجهِها البريء. ومنذ تلك الليلةِ صرتُ أسمع مثل ذلك الأنينِ قريبًا تارةً وبعيدًا تارةً أخرى، أطلُّ من الشرفةِ فلا أرى سوى أسرابِ الحمامِ تطيرُ وتحطُّ فوقَ أسطح المنازلِ المجاورة فأعود إلى جدّتي وأسألها: هل ذلك الملك الظالم الذي رويت لي قصته مازال حيا يا جدّتي؟ فتبتسمُ وتجيبني: لا يا حمزة، لقد ماتَ، ماتَ منذ زمنٍ بعيدٍ. لم أكن حينَها مقتنعًا بإجابةِ جدتي مما يحملني على إعادة السؤال نفسه مرارًا وتكرارًا دون جدوى، إلى أن جاءَ يومَ ناداني فيه أحدُ أبناء جارنا، حيث طلبَ مني إعادةَ كرته التي سقطت من سطحِ منزِلِه إلى سطحِ منزلي، وحين صعدتُ كانت المفاجأةُ، لقد سمعتُ ذلك الأنينِ الذي لطالما شغلَ بالي فوقَ السطحِ على بعدِ أمتارٍ قليلةٍ مني، فخفقَ قلبي بشدّةٍ وكدتُ أرجعُ من شدّةِ الخوفِ، لكنّني تشجّعتُ وواصلتُ تقدّمي بخطى متثاقلةٍ لأكتشفَ الحقيقةَ بنفسي، إذ عرفتُ أن ذلك الأنينِ الذي اعتقدتُ لسنواتٍ طويلةٍ أنه أنينُ الملكِ الظالمِ الذي حدّثتني عنه جدّتي - رحمها الله - إنما هو هديلُ حمامةٍ اتخذت من صندوقٍ خشبيٍ قديمٍ وكرًا لها.

كتب القصة ورسمها:
حمزة بوملطة - الجزائر