الإسلام حضارة.. حِيَلُ بني موسى.. إعداد: فريد أبوسعدة

الإسلام حضارة.. حِيَلُ بني موسى.. إعداد: فريد أبوسعدة
        

رسم: ممدوح طلعت

          ظهر موسى بن شاكر في عصر المأمون، ولمع اسمه في سماء العلم، وخاصة في العلوم الهندسية، فقربه المأمون منه، وعندما مات موسى ترك أبناءه الصغار، محمد وأحمد وحسن في رعاية الخليفة المأمون الذي اعتنى بهم فانقطعوا للعلوم، وأرسل المأمون ابنه محمد إلى بلاد اليونان لنقل ما يمكنه من المخطوطات، التي تبحث في الرياضيات والفلك، حتى نبغوا في الرياضيات وعلم الهيئة والفلسفة، فتوصلوا إلى طريقة لتقسيم الزاوية إلى ثلاثة أقسام متساوية، كما توصلوا إلى الطريقة المعروفة حتى الآن في رسم الشكل الإهليلجي وهو الشكل الذي تأخذه بعض الكواكب في دورانها حول النجوم، والطريقة بسيطة، يمكنك يا عزيزي أن تقوم بها، فما عليك سوى أن تغرز دبوسين في ورق مقوى في نقطتين، وأن تأخذ خيطا طوله أكثر من ضعف المسافة بين هاتين النقطتين، ثم اربط الخيط من طرفيه وضعه حول الدبوسين، والآن أدخل القلم الرصاص ودر به مع الخيط يتكون أمامك الشكل الاهليلجي، تسمى النقطتان (مكان الدبوسين) ببؤرتي الشكل الاهليلجي.

          وقد اشترك بنو موسى مع الفلكيين الذين أمرهم المأمون بقياس محيط الأرض، ولهم كتاب باسم «حيل بني موسى» وهو كتاب عجيب نادر، هو الأول من نوعه ويبحث في الميكانيك (أي الحيل) وهي حيل ميكانيكية شريفة الأغراض، عظيمة الفائدة، مشهورة عند الناس، ويحتوي الكتاب على مائة تركيب ميكانيكي.

أحمد بن طولون يؤدب ولده

          قال كاتب العباس بن أحمد بن طولون: بعث إليّ أحمد بن طولون بعد أن مضى من الليل نصفـُه، فوافيتـه (ذهبت إليه) وأنا منه خائف. دخل الحاجب وأنا في أثره إلى بيت مظلم، فقال لي: سلم على الأمير! فسلمت. فقال لي ابن طولون وهو في الظلام: لأي شيء يصلح هذا البيت؟ قلت: للفكر. قال: ولم؟ قلت: ليس فيه شيء يشغل العين بالنظر فيه. قال: أحسنت! امض إلى ابني العباس، فقل له: يقول لك الأمير اغدُ عليّ. وامنعه من أن يأكل شيئًا إلى أن يجيئني فيأكل معي. فقلت: السمع والطاعة. وانصرفت، وفعلتُ ما أمرني به، فركب إليه. وأطال أحمد بن طولون عمدًا، حتى علم أن العباس قد اشتدَّ جوعه. وأحضرت مائدة ليس عليها إلا البقول المطبوخة، فانهمك العباس في أكلها لشدَّة جوعه وأبوه متوقف عن الأكل. فلما علم بأنه قد امتلأ من ذلك الطعام، أمرهم بنقل المائدة، وأُحضر كل لون طيـّب من الدجاج والبط والجدي والخروف، فانبسط أبوه في جميع ذلك فأكل، وأقبل يضع بين يدي ابنه منه، فلا يمكنه الأكل لشبعه. قال له أبوه: أردت تأديبك بما امتحنتك به.

          لا تلق بهمتك على صغار الأمور بأن تسهل على نفسك تناول يسيرها فيمنعك ذلك من كبارها، ولا تشتغل بما يقلّ قدرُه فلا يكون فيك فضلٌ لما يعظم قدرُه (1).
--------------------------------------
(1) لا تنشغل بالأمور الصغيرة فتضيع منك الكبيرة.

 


 

فريد أبوسعدة