لنصلحْ أخطاءَنا من دونِ تأخيرٍ

لنصلحْ أخطاءَنا من دونِ تأخيرٍ
        

رسوم: وصفي الفضلي

          كان أحمد يلعب كرة القدم مع أصدقائه عصر كل يوم فى قريتهم البعيدة عن المدينة، يلعبون فى الميدان الترابي وهو خال من أسوار محيطة وخال من شبكتي المرمى لذا كانوا يضعون الحجارة الكبيرة عند طرفي الميدان وكانت تمثل لهم مرمى الكرة للفريقين.

          وبعد انتهاء اللعب يعودون إلى بيوتهم ويتكرر الحال عصر كل يوم، وفى مساء يوم ما  وعقب حلول الظلام انتهت لعبة الكرة وتفرّق الأصدقاء كل منهم ذهب إلى بيته، وجاءت سيارة تدخل الحي، وبسبب الظلام لم ير سائق السيارة الأحجار الكبيرة التي يضعها الأصدقاء كشباك للمرمى في الميدان فداستها عجلات السيارة وبعدها سمع الناس صوت دوي عال وتوقفت السيارة عن السير، حاول سائقها أن يحركها فلم تتحرك، وخرج منها ليستطلع الأمر وبعد أن فحصها وعاين المكان عرف أن السيارة قد انكسر هيكلها الحديدي الأسفل وانفجر إطارها، شعر بحزن شديد وأخذ يفكر كم سيكلّفه تصليحها من وقت ومال، وهو لا يملك نقودا الآن، واضطر الى ترك سيارته بالميدان حتى صباح اليوم التالي وذهب مشيا على رجليه ليزور صديقه الذي يسكن بالحيّ وهو حزين على حال سيارته.

          وفى صباح اليوم التالي حضر السائق ومعه سيارة أخرى كبيرة الحجم بها حبل طويل لسحب السيارة الصغيرة المكسورة، تجمع الأصدقاء فى الحيّ ورأوا ما حصل للرجل الذى بدا حزينا وهو يقص لهم أنه حتى الآن لم ينته من دفع أقساط السيارة ومع ذلك وقع عليه عبء جديد وهو التصليح والصيانة، فساعدوه فى ربط السيارة، وودعوه متمنين له أن يصلحها فى أقرب وقت.

          وعصر اليوم واصل الأولاد اللعب فى الميدان، وبقيت الحجارة كما هي.

          وبعد انتهاء اللعب وعند حلول الظلام وتفرق الأصدقاء طلب الأب من ابنه أحمد أن يذهب لشراء الفول والفلافل للعشاء من الدكان البعيد لأن هناك ضيوفاً حلّو فى البيت وطلب منه إحضار جبن وبيض ومشروبات لإكرام الضيوف..

          رأى أحمد أن يذهب بدراجته الجديدة يقودها بسرعة وذهب الى الدكان الكبير فى القرية قاطعا بها الميدان الذي يلعبون فيه كرة القدم، واشترى كل ما طلبه منه والده وجاء عائدا يقود دراجته بسرعة أيضا، وبسبب الظلام لم ير أحمد الحجارة الكبيرة التى يضعونها على جانبي الميدان، فمر فوقها بعجلته وفى لحظة سقطت الدراجة ووجد أحمد نفسه يطير عاليا في الهواء ثم يسقط مرتطما بالأرض بشدة، وسقط الطعام الذى اشتراه من حوله وانكسر البيض وتبعثر الفول والفلافل فى التراب، أخذ أحمد يئن بألم ويتقلّب على جانبيه فقد أصيب بخدوش فى ساقيه ويديه، ورأى دراجته وقد انكسر عمودها والتوت عجلتها، ورغم ما هو فيه من ألم شعر بحزن شديد وقال «آه، دراجتي الجديدة، سيكلّفني تصليحها الكثير من المال وأنا لا أملك شيئا»..

          وقام بعد فترة وعاد الى البيت وهو يعرج فى مشيه، وسأله والده الذى كان ينتظره بلهفة عند الباب «أين الطعام؟»،  فشرح أحمد لوالده ما جرى، وذهب معه لاستطلاع الأمر، ثم جمع أبوه الطعام الملقى على الأرض ووضعه فى سلة القمامة، وبعدها جرّا الدراجة المكسورة الى البيت وأحمد يشعر بألم شديد فى كل أنحاء جسده..

          وبعد أن وصلا الى البيت خاطبه والده مؤنبا «هذا بسبب إهمالك وكسلك أنت وأصدقائك، تلعبون فى الميدان وتضعون ما تشاؤون فيه وكأن الميدان ملك لكم أو هو شارعكم وحدكم! ولكن نسيتم أن الميدان ملك لكل الناس الذين يسيرون فيه ليل نهار، كان عليكم بعد لعب الكرة كل يوم أن تحملوا الحجارة الكبيرة وتضعوها بعيدا تحت الجدران حتى لا يتعثر عليها أحد أو سيارة، وعندما تريدون اللعب فى عصر اليوم التالي تعيدونها مرة أخرى الى الميدان».

          وأضاف مؤنبا ابنه «لقد شاهدت بالأمس الرجل المسكين صاحب السيارة الصغيرة التى تسببت فى كسرها تلك الحجارة وحزنه على الخسائر التى سيتكبدها لتصليح سيارته دون أن أى ذنب سوى إهمال أبناء الحيّ، وظننت بعدها أنكم ستصلحون خطأكم هذا وتحملون الحجارة بعيدا عن الميدان، ولكنكم لم تفعلوا أى شيء لتجنب وقوع هذا الأمر مرة أخرى لأي أحد، ولكن شاءت الأقدار أن تكون أنت الضحية الثانية لتلك الحجارة الموضوعة باستمرار هناك والتى تعني الكسل واللامبالاة منكم، وذلك جزاؤك حتى تتعلم الدرس جيدا».

          أجاب أحمد بخجل وحزن وهو مطرق رأسه «نعم يا أبي، نحن مخطئون، كان علينا أن نجمع الحجارة، انظر فقد تسببت فى كسر دراجتى أيضا».

          وفى صباح اليوم التالي زاره أصدقاؤه بالبيت وذهلوا لمشهد الخدوش بساقيه ويديه، فحكى لهم ما جرى بالأمس وكيف سقط وتشتت الطعام وانكسرت دراجته، وحكى لهم ما طلبه أبوه منهم، فوافقوه في اقتراحه على حمل الحجارة ووضعها بعيدا عند انتهاء اللعب.

          ولأن الحجارة كبيرة اتفق الأصدقاء على أن يتم تقسيم العمل على 4 أفراد كل يوم لحملها بعيدا عن الميدان وإحضارها عند العصر للعب، وهكذا يتبادل الأصدقاء نظافة الميدان، وبعدها لم يقع أي حادث لأحد.